زيارة الملك فاروق الى المملكة العربية السعوديه سنة 1945 ولقائه بالملك عبد العزيز ال سعود فيما عرف فيما بعد ( قمة رضوى )

 

الملك عبد العزيز ال سعود يستقبل الملك فاروق 

 

خلفية تاريخية :

 

ترجع العلاقات السعودية ـ المصرية إلى عهد الدولة السعودية الأولى ، التي سيطرت على معظم شبه الجزيرة العربية ، وامتد نفوذها ، ليشمل بعض المناطق الخاضعة للإمبراطورية العثمانية ، وإزاء هذا الوضع ، أمرت الدولة العثمانية واليها على مصر ، محمد علي باشا ، بالقضاء على الدولة السعودية الأولى .

فقام محمد على بإرسال قواته ، بقيادة ابنه طوسون ،  ومن بعده ابنه إبراهيم باشا ، في حملتَين ، إلى شبه الجزيرة العربية ،  وقد تمكنت القوات المصرية ، بعد قتال مرير ، من القضاء على الدولة السعودية الأولى ، وتخريب عاصمتها ، الدرعية ، عام 1233هـ/1818م .

 وأبقى محمد علي قواته هناك ، لفترة من الوقت ، وحينما قامت الدولة السعودية الثانية ، بقيادة الإمام تركي بن عبدالله ، عام 1235هـ/1820م ، ساعدت القوات المصرية على زعزعة حكمه ، وفي عام1252هـ/1836م ، قام محمد علي باشا بإرسال الأمير خالد بن سعود بن عبدالعزيز ، الذي كان يقيم بمصر، منذ الأسر ، إلى نجد ، مع قوة بقيادة إسماعيل بك للإطاحة بحكم الإمام فيصل بن تركي ، جد الملك عبدالعزيز .

 ثم عزز هذه القوة بحملة  قادها خورشيد باشا  تمكنت من أسر الإمام فيصل بن تركي وأبنائه ، وشقيقه جلوي ، في رمضان 1254هـ/ ديسمبر1838م ، وأرسلوا إلى مصر .

وبقوا فيها 5 سنوات حتى تمكن الإمام فيصل من الهرب والعودة إلى نجد ، في عام 1259هـ/1843م ، واضطرت القوات المصرية إلى الانسحاب من شبه الجزيرة العربية ، بعد ضغوط الدول الأوروبية ، في مؤتمر لندن  1256هـ/1840م .

وحينما وضع الملك عبدالعزيز اللبنة الأولى ، في بناء الدولة السعودية الحديثة ، في عام 1319هـ/ 1902م ، حرص على إيجاد علاقة قوية بمصر ، التي قال عنها  "إن مصر ، هي قدوة وأمل جميع العرب" ، وبعد أن تمكن الملك عبدالعزيز من ضم الحجاز ، اتخذ الملك فؤاد الأول  ملك مصر، حينذاك،  موقفاً غير ودي .

 ويرجع ذلك إلى أن الملك عبدالعزيز ، اعتذر عن عدم قبول وساطة الملك فؤاد ، بينه وبين الملك علي بن الحسين ، أثناء حصار القوات السعودية مدينة جدة ، إذ أرسل الملك فؤاد إلى الملك عبدالعزيز  وفداً مصرياً ، برئاسة الشيخ مصطفى المراغي  شيخ الأزهر ، للقيام بمهمة الوساطة ، وكان لاعتذار الملك عبدالعزيز عن عدم قبول الوساطة المصرية مبرراته ، لأن قبوله تلك الوساطة يعني التسليم مبدئياً باعتراض ملك مصر  وإمام اليمن على توحيد الحجاز .

ويرى بعض المؤرخين أن الاعتراض الضمني للملك فؤاد الأول  على ضم الحجاز إلى سلطة الملك عبدالعزيز ، يعني رغبة ملك مصر في أن يصبح خليفة للمسلمين ، وهذا أمر يتطلب من الشخص الذي يتطلع إلى منصب الخلافة ، أن يسيطر على الأماكن المقدسة  في الحجاز .

وقد أرسل الملك عبدالعزيز كتابا  في 10 ربيع الثاني 1344هـ/27 أكتوبر 1925م ، إلى الملك فؤاد  يدعوه إلى الاشتراك في المؤتمر الإسلامي ، الذي قرر إقامته للبحث في مصير الحجاز ، وندب مستشاره حافظ وهبه وهو مصري يعمل ضمن حاشيته إلى الذهاب إلى مصر ، ليعلن للحكومة المصرية وللشعب المصري ، أن أبواب الحجاز مفتحة في وجه الحجاج المصريين .

ولكن موضوع المحمل المصري زاد من تعقيد الأمور في العلاقات السعودية ـ المصرية ، ففي موسم الحج عام 1344هـ/1926م ، وهو أول موسم للحج يتولاه الملك عبدالعزيز بعد دخوله الحجاز ، اعترض علماء نجد على مظاهر البدع التي تصاحب محمل الحجاج المصريين ، وأمر الملك عبدالعزيز ، الذي كان يشرف على أمور الحجاج ، بمنع الموسيقى والأبواق ، وغيرها من المظاهر ، التي كانت تصاحب ذلك المحمل ، في يوم عرفات .

ولما اعترض الإخوان المحمل المصري ، أصدر قائد الحج المصري  محمود عزمي باشا ، أوامره بإطلاق النار عليهم ، فسقط من جراء ذلك ما بين خمسة وعشرين إلى أربعين قتيلاً من الإخوان ،  وضج الحجاج ، وكادت تقع فتنة بين المصريين والنجديين ، وحافظ الملك عبدالعزيز وابنه الأمير فيصل على رباطة جأشهما ، وسويت المسألة بسلام ، وأرسل قائد المحمل ورجاله سالمين إلى مصر .

الا انه وعلى الرغم من ذلك ، فقد اعتبر الملك فؤاد هذا الأمر تحدياً شخصياً له ، فأمر بمنع إرسال كسوة الكعبة المشرفة التي اعتادت مصر على إرسالها في كل عام ، كما أوقف صرف واردات الأوقاف العائدة للحرمَين الشريفَين ،  فقامت السلطات السعودية بصناعة كسوة الكعبة محلياً ، معتمدة على خبرة بعض المسلمين من الهنود المقيمين بمكة المكرمة .

وفى عام 1925 انشأ الملك عبد العزيز وكالة سياسية لتمثيله في القاهرة ،. ورفض الملك فؤاد الاعتراف بها ، كما رفض تحويلها إلى قنصلية عامة تتمتع بالميزات التي كانت تتمتع بها القنصلية المصرية العامة في جدة .

 ولقد قام الأمير سعود بن عبدالعزيز بزيارة مصر بغرض الاستشفاء من مرض ألم بعينَيه ، وذلك فى عام 1926م ، وكان الهدف منها تلطيف الأجواء بين البلدَين ، وقضى فيها أكثر من شهر ، وقوبل هناك بحفاوة بالغة من الحكومة والشعب المصريَّين ، والتقى الزعيم الوطني سعد باشا زغلول ، وغيره من رجالات مصر .

  وإذ لم يفلح الملك عبدالعزيز في إقناع الملك فؤاد بتغيير موقفه غير الودي ، أمر في عام 1929م ، بإغلاق القنصلية المصرية في جدة ، وعاد القنصل المصري إلى بلاده ، وبقيت مغلقة إلى أن توفي الملك فؤاد ، في عام 1355هـ/أبريل 1936م .

 وحينما أصبح الملك فاروق بن فؤاد ملكاً على مصر ،بعد وفاة والده ، وقعت حكومة علي ماهر باشا أول معاهدة ودّ وصداقة بين البلدَين ، في 16 صفر سنة 1355هـ/7 مايو 1936م .

وأُعيد تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدَين الشقيقَين ، وتولى عبدالرحمن عزام إدارة المفوضية المصرية ، في جدة ، وتولى الشيخ فوزان السابق إدارة المفوضية السعودية في القاهرة ، وبدأت العلاقات السعودية ـ المصرية تتحسن .

فزار الملك عبدالعزيز مصر زيارة غير رسمية ، لمقابلة ونستون تشرشل ، رئيس الوزراء البريطاني عام 1945، وفي صفر سنة 1364هـ/24 يناير سنة 1945م ، قام الملك فاروق بزيارة إلى المملكة العربية السعودية ، وتقابل العاهلان بالقرب من جبل رضوى ، الذي يشرف على مدينة ينبع ، وشكر الملك فاروق  للملك عبدالعزيز تجاوبه مع مشروع الجامعة العربية .

 

عبد العزيز ال سعود وتشرشل فى الفيوم اثناء الزياره غير الرسميه التى قام بها الملك عبد العزيز سنة 1945

الموقع الذى تم فيه اللقاء بين الملك عبد العزيز والملك فاروق بينبع 

 

 في سهل منبسط  بين شرم ينبع وجبل رضوى  يوم 10/ صفر/ 1364 هـ الموافق 25/1/1945 ، أُقيمت خلال ثلاثة أيام  مدينة كاملة من الخيام بسرادقات الجلوس والنوم والفُرش الوثيرة والمقاعد الضخمة الفخمة ، تتلألأ الأضواء في كل جانب منها نُقل كل ذلك الى هذا السهل الأجرد محمولاً من بلدان بعيدة ، يصحبه فريق كبير من العمّال ، وعدد من المُهندسين والاخصائيين بالاضاءة وتوزيع المياه وتنظيم الحُجر وتنسيق المفارش ، حيث قابل الملك عبد العزيز ضيفه ( فاروقاً ) آخر من حكم مصر من أسرة محمد علي .

وكان من بواعث هذه الزيارة ، شعور الملكين بشدة الحاجة الى وضع حدّ لمخلّفات الماضي القريب ، واقامة سياسة ثابته بين الدولتين على أسس من التعاون والتفاهم ، وكان من مظاهر الزيارة أن أمر ( الجامعة العربية ) ظلّ الى ذلك الحين ، بين المد والجزر ، كان للملك عبدالعزيز رأي ، وللاخرين من زعماء العرب اراء ، وتفاهم الملك عبد العزيز وضيفه ، على أمور كان من جملتها البت في انشاء الجامعة .

وصدرت في خلال الاجتماع أربعة بلاغات رسمية عن الديوان الملكي السعودي ، الأول في 12 صفر 1364 يشير الى أن التقاءهما كان في صباح الأربعاء  المواقع 10/2/1364هـ الموافق 25/1/1945م ، والثاني في اليوم نفسه ، بتبادل الأحاديث بينهما في المُخيم الملكي ، وان فاروقاً يتوجه بعد ظُهر ذلك اليوم الى المدينه المنورة ، والبلاغ الثالث في 14 / 2 / 1364 هـ الموافق 29 / 1 / 1945 م  ، ويذكر عودة الفاروق من المدينة الى مخيمه في سفح رضوى يوم 13 / 2 / 1364 هـ  ، وان المُحادثات استمرت في سرادق الملك عبدالعزيز الى منتصف الليل ، والبلاغ الرابع في 19 / 2 / 1364 هـ الموافق 2 / 2 / 1945م ، ويذكر تبادل الهدايا والأوسمة وتبادل العلمين السعودي والمصري باحتفال عسكري اشتركت فيه ثُلتان من الجيش السعودي وجيش البحرية المصرية رمزاً للصداقة بين البلدين .

 ثم يُشير الى انتهاء الزيارة ، وان فاروقاً أبحر في الساعة العاشرة والنصف عربية من مساء ذلك اليوم عائداً الى مصر وليس في هذا كله مايشفُ عن روح الاحاديث ، وتبودلت في عشية اليوم نفسه برقياتان بين الملكين الأولى من يخت فاروق والثانية من سفح رضوى بالتحيات والتمنيات .

ماذا تم في المقابلة ؟

وفي مساء اليوم الذي وصل فيه فاروق الى القاهرة 17 صفر 1364 الموافق  2 فبراير 1945م ، وزعت وزارة الخارجية المصرية على الصحف بياناً عن الرحلة شبه رسمي جاء فيه :

كانت الزيارة شخصية ولم تكن للبحث في موضوعات معينة ولكنها في الواقع كانت أعظم من أي زيارة رسمية أوسياسية يقصد بها حل مشكلة معينة لأنها دعمت ماتم من اتفاقات وفتحت الطريق امام اتفاقات جديدة وحلت أموراً ومكنت صداقة وأوجدت محبة وجعلت اتحاد العرب امراً ملموساً .

من اصداء اللقاء :

وكان للقاء صدى بعيد في كبريات الصحف العالمية أذكر على سبيل المثال فقرات منها  :

قالت جريدة ( صنداي أوبزرفر ) اللندنية :

أن اجتماع الملكين علامة متواضعة على أن هناك رغبة شديدة في توحيد البلدان العربية في الشرق الأوسط وهي علامة لم تكن منتظرة لأن العلاقات بين مصر والأسرة الوهابية ( كذا ) كانت على أضعف حلاتها منذ الحرب التي نشبت بين محمد على الكبير وراس الأسرة الوهابية في القرن الماضي فإذا كان سليلا هذين البيتين قد أتفقا على ما تقتضيه الضرورة في القرن العشرين ونسيا المنازعات القديمة فإنهما يستطيعان تغيير الموقف السياسي في الشرق الأوسط تغييراً تاماً  .

وقالت ( التيمس ) :

 ان اجتماع الملكين كان نتيجة عظيمة لمؤتمر الاتحاد العربي التمهيدي الذي عقد في مصر في اخر العام الماضي ، والمعروف انهما يشعران بضرورة توثيق العلاقات بين الدول العربية ولكن يلوح ان ملك المملكة العربية السعودية تناول هذا المشروع بشىء من الحذر على ان موافقته عملياً على البروتوكول تدل على انه يقدر تماماً الأهداف التي يرمي اليها القائمون بحركة الاتحاد العربي ، وقد ترتب على ماله من نفوذ عظيم في جميع انحاء العالم العربي ان اصبح انضمامه الى البروتوكول بمثابة ضمان لإنشاء الجامعة نهائياً وقد لايكون من الأمور الهامة ان تكون زيارة الملك فاروق لغرض سياسي مقصود،  ولكن من المحقق ان زيارة ملك مصر مع ماله من علاقات متينة بالعالم الغربي للملك عبد العزيز بن سعود وله المركز القوي في قاعدة العظمة العربية ستعود بانفع النتائج .

وقالت ( النيويورك تيمس ) الأمريكية :

ان اجتماع الملكين له أهمية سياسية كبيرة في شؤون العالم العربي ولا خلاف في انه خطوة كبيرة لتحقيق امال العرب بالوحدة وله اهمية دولية عظيمة لأن مشاكل الشرق الأوسط تتناول العالم بأسره بما في ذلك قضايا فلسطين والنفط والطيران المدني والمنافسات في تلك البلاد المترامية الأطراف .

وقالت ( البورص ايجبسيان ) المصرية :

ان المشاورات العربية التي قامت بها حكومة الوفد قد اصبحت بعد اتفاق الملكين مهمة من مهام الدولة ، وكل الخلافات في وجهات النظر التي عجز رؤساء الوزارات عن التغلب عليها قد ذللها الملكان فيمكننا أن نقول اليوم ان الوحدة العربية على وشك ان تصبح حقيقة رسمية حية فعالة  .

ثم تقول ( وسيكون اتفاق الملك فاروق مع الملك بن سعود فاتحة لاتفاق امير شرقي الاردن ووصي العراق ورئيسي جمهوريتي سورية ولبنان )  .

وفى ( الجورنال ديجيت ) :

ان زيارة الملك فاروق للملك عبد العزيز قد فتحت الطريق امام الحكومات العربية للقيام بعمل سريع منتج يتناول جميع نواحي حياتها العامة ، ويؤكد الملك عبدالعزيز ان المبدأ الأساسي الذي يجب ان تقوم عليه الوحدة العربية هوالاستقلال الكامل لكل دولة ، والاحترام المطلق لحدودها وعدم اندماج دول في اية وحدة سياسية ، ولكنها وحدة روحية وتعاون في كل النواحي وتضامن في سبيل الدفاع عن كل من هذه الدول اذا هدمت .

وفي مجلة ( تايم ) الأمريكية :

لم يكن هذا الاجتماع مجرد رمز لاتحاد الطرفين وانما يبشر بالجامعة العربية نفسها وقد كان تحقيق انشاء هذه الجامعة من دون اشتراك المملكة العربية فيها كالسراب في الصحراء وما كان ذلك لمعارضة الملك ابن سعود لهذه الفكرة ولكن لأنه يعتقد ان الله قد عهد اليه بمهمة توحيد صفوف العرب جميعاً وجعلهم امة واحدة .  

الملك فاروق بالزى الخليجى اثناء استقبال 

الملك عبد العزيز ال سعود له فى جده سنه 1945

اصحاب السمو الملكى ابناء الملك عبد العزيز ال سعود مع الملك فاروق الاول ملك مصر السابق

الملك فاروق فى جده مع ابناء الملك عبد العزيز ال سعود بالزى الخليجى

الملك فاروق والملك عبد العزيز ال سعود

 

المصدر : مع اضافة الصور :

كتاب شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز - خير الدين الزركلي المجلد الثاني

الجزء ( 3 ، 4 ) دار العلم للملايين بيروت - الطبعة الخامسة - نيسان ابريل 1992  

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net