مصطفى النحاس باشا ( الخامسة)

4 فبراير - 26 مايو 1942

  • احداث 4 فبراير  .

  • الدبابات البريطانية تحاصر قصر عابدين  .

  • احزاب المعارضة تقاطع الانتخابات  .

  • السماح للطلاب ... بدخول الامتحانات  .

  • خلاف بين رئيس الوزراء ... ووزير ماليته  .

  • تبعية الاذاعة لوزارة الداخلية  .

 

بعد استقالة حسين سرى باشا بدأت المشاورات لتشكيل الوزارة الجديدة والتى اسفرت فى النهاية عن تكليف النحاس باشا بذلك ، وقد شهدت فترة التشكيل هذه احداثا جسيمة اعتبرت نقطة تحول كبيرة ومؤثرة فى تاريخ الوزارات المصرية بعد ذلك ، وهى التى اصطلح على تسميتها بأحداث 4 فبراير .  

 

الملك فاروق والوزراة التى شكلت برئاسة النحاس باشا

 

ورغم مرور اكثر من 40 سنة على هذه الاحداث فقد اختلفت ومازالت تختلف حولها الروايات والاسباب ، ولسنا هنا بصدد تحليلها او تحليل خلفياتها ولكننا سنشير اليها فى ايجاز لأهميتها بالنسبة للقوى المؤثرة فى اتخاذ القرار كما سبق ان اشرنا .

ان احداث 4 فبراير تولدت اساسا نتيجة اختلاف وجهات نظر الاطراف الثلاثة المعنية بتشكيل الوزارات والتى تمثلت فى القصر والانجليز والاحزاب ، وكان على رأسها الوفد خلال هذه الفترة بأعتباره ممثلا للاغلبية الشعبية .

كان المفروض عقب توقيع معاهدة 1936 الا تتدخل بريطانيا فى تشكيل الوزارات ، ولكن ظروف الحرب العالمية الثانية والتى بدأت فى اوائل سبتمبر 1939 كان قد ترتب عليها اتفاق غير مكتوب بين القصر ودار السفارة البريطانية بأن تكون هناك مشورة فيمن يتولى الحكم من رجال السياسة المصرية .

ورغم المناورات التى كان يقوم بها القصر احيانا الا ان السفير البريطنى كان علم بدقائق الامور عن طريق عملائه او اصدقائه فى القصر ، كما كان على اتصال دائم بوزارة الخارجية فى لندن ، والتى كان من رأيها بعد استقالة حسين سرى باشا تشكيل وزارة قوية تكون قادرة على الحكم وتحظى بتأييد شعبى كاف فى ظل هذه الظروف الحرجة .

وبدأ السفير البريطانى يتحرك من هذا المنطلق ، ففى ظهر يوم الاثنين 2 فبراير تقدم بمجموعة من الطلبات الى الملك حددها فى ضرورة تأليف وزارة تحرص على الولاء للمعاهدة نصا وروحا وتقدر على تنفيذها ، وان تحظى بتأييد شعبى وان يتم ذلك فى موعد اقصاه ظهر يوم الثلاثاء ، وان الملك سيكون مسئولا شخصيا عن اى اضطرابات قد تحدث خلال ذلك ، وكان هذا يعنى بوضوح الارسال فى طلب النحاس باشا بوصفة زعيما لحزب الاغلبية فى البلاد والتشاور معه فى امر تشكيل الوزارة .

وتشهد الساعات التالية بعد ذلك او بين الساعة التاسعة من مساء يوم الاربعاء 4 فبراير ، حين استسلم الملك وقرر تكليف النحاس بتأليف الوزارة ، تشهد احداثا جساما عرفت بعد ذلك بأحداث 4 فبراير ، والتى نتجت كما اشرنا نتيجة اختلاف وجهات نظر الاطراف الثلاثة المعنية بتشكيل الوزارة ، وتشير التطورات التى حدثت ان وجهة النظر البريطانية هى التى فرضت نفسها فى النهاية وبقوة السلاح على وجهات النظر الاخرى ، وقد ارغم الملك على قبول وجهة النظر هذة للدرجة التى وصل فيها الارغام الى حد التلويح بخلعة عن العرش ، بل اكثر من ذلك اعادة النظر فى النظام الملكى نفسة .

وقد بدأ ذلك فى تقديم انذار من السفير البريطانى للقصر ظهر يوم 4 فبراير وكان نصه اذا لم اعلم قبل الساعة السادسة من مساء نفس اليوم ان النحاس باشا سيشكل الحكومة فأن الملك يجب ان يتحمل كافة النتائج .

وتتوالى الاحداث بعد ذلك بسرعة رهيبة ، فيدعو الملك كبار الشخصيات المصرية ومنهم النحاس ، للاجتماع بقصر عابدين ويحاول الجميع اغراء زعيم الوفد على قبول رئاسة وزارة ائتلافية الا انه يرفض ، ويناقش المجتمعون انذار السفير البريطانى ويقررون رفضة ، ويرفضة النحاس معهم ، ويوقع الجميع على اقرار بذلك .

وما ان خرج الزعماء من القصر حتى فوجئوا بمظاهرة من للدبابات بقيادة قائد القوات البريطانيه وبجانبه السفير ، واقتحمت دبابة القيادة باب القصر وتبعها عدد اخر انتشر بساحة القصر الداخلية ، واتجه السفير الى غرفة الملك رأسا وخيره بين امرين ، اما ان يقبل الانذار الذى سبق ارساله اليه او يوقع على وثيقة بالتنازل عن العرش ، وطلب الملك مهلة ، واجاب السفير وهو يهم بالانصراف ، لابد ان يتم كل شىء الليلة ياصاحب الجلالة .

واستدعى الملك الزعماء مرة اخرى على عجل وبادرهم بقولة ( اننى اكلف النحاس باشا امامكم بتشكيل الوزارة فورا ) ، وعلا صوت احد الزعماء الحاضرين وهو يقول ( اقبلت ياباشا ان تأتى الى الحكم على اسنة رماح الانجليز ؟ ) .

وتشير الوقائع الى ان النحاس باشا ارسل خطابا بعد ذلك الى السفير البريطانى جاء فيه ( كلفت بمهمة تأليف الوزارة وقبلت هذا التكليف الذى صدر من جلالة الملك بماله من حقوق دستورية ، وليكن مفهوما ان الاساس الذى قبلت عليه هذه المهمة هو انه لا المعاهدة البريطانية المصرية ، ولا مركز مصر كدولة مستقلة ذات سيادة يسمحان للحليفة بالتدخل فى شئون مصر الداخلية وبخاصة فى تأليف الوزارات او تغييرها ) .

بعد تشكيل الوزارة كان اول عمل لها ان استصدرت مرسوما فى 7 فبراير 1942 بحل مجلس النواب واجراء انتخابات جديدة ، وقد جرت محاولات من جانب الوفد للتفاهم مع الاحزاب الاخرى حول نسبة عدد مقاعدها فى البرلمان ، كان رأى الاحزاب ان يخصص لها نصف عدد مقاعد مجلس النواب ، ولكن حزب الوفد كان يرى ان يخصص لها الربع فقط .

واصر رؤساء الاحزاب على رفع الاحكام العرفية خاصة فى كل ماله علاقه بتوجيه الرأى العام فى الانتخابات وان تكفل لها الحرية والحيدة حتى ولو تناولت المعركة الانتخابية احداث 4 فبراير .

وكان طبيعيا الا يتم التوصل الى حل ، الامر الذى قررت معه احزاب المعارضة مقاطعة الانتخابات ، وحصل الوفد فيها على نسبة 89% من مقاعد مجلس النواب واغلبية كبيرة فى التجديد النصفى لأعضاء مجلس الشيوخ .

ومن اهم اعمال هذه الوزارة انشاء ديوان المحاسبة سنة 1942 وعهد اليه بالاشراف على تحصيل الايرادات وانفاق اموال الدولة فى الاغراض المخصصة لها ، وقانون استقلال القضاء الذى كفل للقاضى مبدأ عدم العزل .

كما استصدرت قانون تخفيض الضريبة على صغار الملاك الزراعيين بأعفاء من لا تتجاوز الضريبة المربوطة على حيازته 50 قرشا من الضريبة ، واقرت قانون نقابات العمال ، وكان متعثرا فى سيره والذى ينظم حقوقهم قبل اصحاب الاعمال .

وقرر المجلس نقل تبعية الاذاعة الى وزارة الداخلية طوال مدة الحرب ، بدلا من تبعيتها لوزارة الشئون الاجتماعية .

كما استصدرت قانونا بالعفو الشامل عن الجنايات والجنح التى ارتكتبت لأغراض سياسية والعفو عن جميع الطلبة الذين فصلوا تأديبيا والاذن لمن حرموا من الامتحانات بدخول امتحانات الدور الثانى .

وقررت الوزارة جعل يوم 15 مارس من كل عام عيدا للدستور ، ويوم 26 اغسطس عيدا للاستقلال تعطل فيها الوزارات والمصالح .

وشهدت الوزارات والمصالح حركة ترقيات واسعة شملت معظم الموظفين الوفديين واسناد المناصب الهامة اليهم مع ابعاد الموظفين المنتمين لأحزاب معارضة اخرى .

وتوسعة الوزارة فى منح الترقيات والعلاوات على انصار الحزب واسرفت فى المحسوبيات والاستثناءات فى مختلف الدواوين والوزارات حتى اثرى عدد كبير منهم ثراء غير مشروع .

كانت الخصومة بين اشهر صديقين فى السياسة المصرية النحاس ومكرم عبيد ( وزير ماليته ) السبب الاساسى فى استقالة الوزارة ، ويذكر المؤرخون اسباب هذه الخصومة ، فمنها تلك الغيرة التى دبت بين مكرم والسيدة زينب الوكيل حرم النحاس باشا ، ويعلق السفير البريطانى على ذلك ان زوجة رئيس الوفد سعت مافى وسعها الى استقلال زوجها عن الرجل الذى استمر لسنوات طويلة مستشاره والمدير الحقيقى للحزب .

 

مكرم عبيد باشا ومصطفى النحاس باشا

 

اما ميادين الصدام المباشرة بين الرجلين فكانت بشأن طلبات تراخيص الاستيراد والتصدير التى كان يطالب بها المقربون من رئيس الوزراء ، وتشدد مكرم عبيد بأعتباره وزيرا للمالية فى الاستجابة لهذه الطلبات .

واخيرا الاستثناءات التى كان النحاس باشا قد طلبها لبعض العاملين معه فى وزارة الداخلية ، وكان مصيرها الرفض فى اللجنة المالية التى كان يرأسها مكرم عبيد ، وتكشف محاضر اجتماعات مجلس الوزراء عن مدى الخلافات بين الرجلين خاصة بالنسبة للاستثناءات التى كان يدرجها رئيس الوزراء فى جدول اعمال المجلس والمناقشات الحادة التى كانت تدور بينهما خلال الاجتماعات ، وكان وزير المالية يستشهد دائما بالتصريح الذى جاء فى برنامج الوزاره ( انه لا استثناء ولا محسوبية ) ، ويقول اننى لم اقصد اى مساس بشخصية دولة الرئيس او نزاهته ، وانما اضع الامور بين يديه وله ان يتخلص منى اذا اراد بالطريقة التى يراها ، وسأبقى رغم كل شىء اذا خرجت او اخرجت من الوزارة خداما للوفد ولرئيس الوفد .

والغريب انه بعد المناقشات الحامية التى كانت تدور وقوة منطق وحجة وزير المالية فى رفضة للاستثناءات ان المجلس كان يوافق بالاغلبية عند اخذ الاصوات على جميع طلبات رئيس المجلس .

ومع استمرار هذا الخلاف الدائم بين رئيس الوزراء ووزير ماليته قدم النحاس باشا استقالة الوزارة الى الملك فاروق ، الذى كلفة بتشكيل وزارة جديدة ، وقد شكل النحاس الوزارة الجديدة بعد ان استبعد منها مكرم عبيد وزير المالية .

ويبدو ان بريطانيا كانت مازالت تؤيد اعادة تشكيل الحكومة برئاسة النحاس باشا حيث ان الظروف كانت تقتضى استمرارة فى الحكم ، فأذا كان كل ماحدث فى 4 فبراير يعود الى رغبة بريطانيا فى ايجاد حكومة شعبية فى الظروف العسكرية الحرجة التى كانت تواجهها فى الصحراء الغربية بعد تغلغل قوات المحور ( المانيا وبريطانيا ) فى حدود مصر الغربية فأن الوزارة قد حققت ذلك ، ويؤكد السفير البريطانى هذه الحقيقة فى تقريره السرى الذى بعث به فى عام 1942 الى وزارة الخارجية البريطانية حيث يقول التقرير :

( لقد تبنى رئيس الوزراء خطا واضحا فى التعاون مع بريطانيا ، واستمر فى اتباع هذا الخط بأخلاص وشجاعة فى اسوأ الايام التى اعقبت تأليف الوزارة ، وقد ادى هذا الموقف الى شيوع التعاطف نحو قضيتنا ، فتوقفت تقريبا كل اعمال الاثارة التى كانت توجه ضدنا ، فأمتنعت المظاهرات واصبحت المنشورات العدائية نادرة ، ويضيف ان النحاس باشا قد شدد قبضتة على الطابور الخامس الذى كان قد استفحل امره ، خاصة بين مجموعة من كبار المتعاطفين مع دول المحور ، وتم حل البوليس الخاص الذى كان ذا طبيعة عسكرية فاشية ، وقد تم بناء على طلب السفير اغلاق نادى السيارات الذى كان مركزا متعاطفا مع دول المحور ، وقد ادت هذه الاعمال الى المعاونة بصورة واضحة  فى حفظ هدوء البلاد وراء خطوطنا الخلفية ) .  

 

 

الوزارة السابقة

 

الوزارة التالية

حسين سرى باشا

( الثانية )

مصطفى النحاس باشا

( السادسة )

الصفحة السابقة

الصفحة التالية

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net