وزارة مصطفى النحاس باشا ( السابعة )

12 يناير 1950 – 27 يناير 1952

  • شهر عسل بين الوزارة والملك .

  • الملك يطرد وزير العدل فى قضية الاسلحة الفاسدة .

  • انشاء وزارة للشئون البلدية والقروية ووزارة الاقتصاد الوطنى .

  • قانون بمجانية التعليم .

  • مذبحة ضد بلوكات النظام فى الاسماعيلية .

  • القاهره تحترق .

  • اعلان الاحكام العرفية ومنع التجول بالقاهرة .

 

انزعج القصر ليس لحصول الوفد على اغلبية فى البرلمان بين النواب الجدد ، انما كان مصدر انزعاج الملك ان تكون الاغلبية الوفدية كبيره على هذا القدر ، الامر الذى دفع الملك الى التعجيل بتعيين حسين سرى باشا رئيسا للديون وذلك ليواجه معه الموقف المترتب على وجود مجلس نواب ذى اغلبية وفدية ساحقة .

وعلى الجانب الاخر كان هناك الوفد ، وقد ظل على عهد وزاته الجديده والاخيرة فى تاريخ الوزارات المصرية والتى شكلها النحاس باشا يقدم تنازلا وراء اخر للملك ، مما جعل الكتاب المعاصرين يطلقون على هذه الوزارة ( وزارة الاستسلام للملك ) ، وكانت معظم فترات الوزارة فى الحكم بمثابة شهر عسل بين الوزارة والقصر .

وقد حصل القصر على اول تنازل من الوزارة اثناء مشاورات تأليفها ، فقد اصر الملك على تعيين الفريق محمد حيدر باشا وزيرا للحربية استمرارا له فى المنصب الذى ظل يشغله منذ اواخر نوفمبر 1947 ، وكانت تقاليد الوفد لاتسمح بأن يشترك فى وزارة يؤلفها ، وزير غير وفدى ، وبدلا من ان يصر النحاس على التمسك بهذا التقليد الا انه قد تنازل بالموافقة على انشاء منصب جديد هو منصب القائد العام للقوات المسلحة بدرجة وزير ، وله حق الاتصال المباشر برئيس الحكومة وتعيين حيدر باشا فى هذا المنصب ، وبذلك تكون الوزارة على هذا النحو قد احتفظت بحقها الدستورى من الناحية الشكلية وتنازلت عنه من الناحية الموضوعية .

ومن هذا المنطلق وفى اطار العلاقة بين الوزارة والقصر توالت وتعددت درجات تنازلات الوزارة للملك ، ومع هذه التنازلات المستمرة كان من المتصور ان تقضى الوزارة مع القصر شهر عسل طويل ، الا ان التصور شىء والواقع شىء اخر .

فبالرغم من دفاع الحكومة عن رجال الملك فى قضية الاسلحة الفاسدة ، الا انها تحت ضغوط الرأى العام والصحافه اضطرت الى فتح باب التحقيق الذى سار حثيثا حتى وصل الى داخل القصر ، وكان الملك فاروق وقتها فى رحلة الى الخارج فى صيف 1950 ، ولما عاد لم يكن ليقبل ماحدث ، فصمم على ابعاد وزير العدل من منصبه ، وكان لذلك اسوأ النتائج على العلاقات بين القصر والوزارة .

وبينما كانت الامور تجرى على هذا النحو فى علاقة الوزارة بالقصر ، كانت تجرى على نحو اخر فى علاقتها بالانجليز ، فقد استأنفت الحكومة مباحثاتها مع الجانب البريطانى بعد شهرين فقط من تشكيلها ، واستمرت طوال 19 شهرا انتهت بألغاء معاهدة 1936 واتفاقيتى الحكم الثنائى فى السودان بقرار منفرد اتخذته الحكومة ، وكان لهذا القرار خلفياته ، ورأت الوزارة ان فى مثل هذا القرار ضربة وطنية كبرى قد تمكنها من استعادة بعض شعبيتها التى كانت قد فقدتها لحساب الجماعات العقائدية التى كانت قد ظهرت فى هذه الفترة مثل ( الاخوان المسلمون والشيوعيون والاشتراكيون ) ، واصدرت السفارة البريطانية بيانا اعلنت فيه تمسكها بالمعاهدة ، وان الحكومة البريطانية تعتبرها سارية المفعول .

وكانت موجات المد الوطنى قد ارتفعت على نحو هائل فى اعقاب الغاء المعاهدة ، ووجدت فيها الجماعات الجديدة مناخا ملائما لبث دعواها مع ماصاحب ذلك من اعمال للكفاح الوطنى ضد قوات الاحتلال فى منطقة القناة ، ومع تصاعد اعمال العنف ضد القوات البريطانية تعددت مظاهر العنف من الجانب البريطانى ، وتمثل ذلك فى الحجر على حرية المواطنيين المصريين بحجة او بأخرى ، وفى دخول القوات البريطانية لمدن القناة واحتلال بعض مناطقها بحجة البحث عن الفدائيين ، الا انها وصلت الى مداها بالمذبحة التى قامت بها القوات البريطانية والتى استخدمت فيها الاسلحة ضد قوت بلوكات النظام فى محافظة الاسماعيلية يوم 25 يناير 1952 ، ويحتفل رجال الشرطة فى مثل هذا اليوم كل عام بهذه الذكرى ، ويعتبرونه عيدا للتضحيه والفداء من اجل مصر .. كل مصر .

وكان لهذه المذبحة ردود فعل واسعة كان اخطرها ماحدث فى القاهرة فى اليوم التالى مباشرة 26 يناير من احراق عدد من المؤسسات والمحال والمبانى ، فيما هو معروف بحريق القاهرة ، والذى كان بمثابة بداية النهاية لأخر وزارة حربية ، كما كان بمثابة الاحتضار للنظام كله .

وفى الساعة السادسة من صباح 26 يناير تمرد جنود بلوكات النظام فى العباسية ، وخرجوا يحملون اسلحتهم وساروا فى مظاهرة شبه عسكرية بشوارع القاهرة ، حتى وصلوا الى جامعة القاهرة ، وهناك اختلطوا بطلاب الجامعة وسار الجميع وقد انضم اليهم فئات من لشعب الى رئاسة مجلس الوزراء ، وفى فناء المجلس اعلنوا احتجاجهم على ماحدث لزملائهم بالاسماعيلية على ايدى القوات البريطانية وطالبوا بالسلاح لمواصلة الكفاح وقتال الانجليز .

وتطورت  الاحداث التى ادت الى حريق القاهرة والذى لم تعرف اسبابه حتى الان ، والحقيقه ان الحريق كان من الممكن السيطرة عليه فى بدايته ، ولكن ثورة الشعب على السخط ، والتى كانت قد بلغت مداها قد زادته اشتعالا ، ان شرارة الغضب اشعلت من الحريق فى القاهرة اكثر مما اشعلته يد التدبير الخفية التى بدأت عملية الحريق .

وعلى مستوى العمل التنفيذى واجتماعات مجلس الوزراء على امتداد عهد هذه الوزارة ، تشير المحاضر الى انه فى فبراير 1950 صدر مرسوم بأنشاء وزارة للشئون البلدية والقروية ، كما قرر المجلس تشكيل لجنة وزارية تضم 5 وزراء للنظر فى الغاء الاحكام العرفية ، وفى شهر مايو صدر قانون برفع هذه الاحكام فى جميع انحاء البلاد فيما عدا محافظتى سيناء والبحر الاحمر ، وبأحالة الجرائم العسكرية الى المحاكم العادية .

وبمناسبة عيد ميلاد الملك فاروق فى 11 فبراير وافق المجلس على مذكرة وزير المعارف بأعادة الطلاب الذين فصلوا من جامعتى فؤاد الاول وفاروق الاول والمعاهد الاخرى خلال المدة من اكتوبر 1944 الى 8 فبراير 1950 .

وفى مارس 1950 صدر قانون بأنشاء وزارة الاقتصاد الوطنى بهدف تدعيم اقتصاد البلاد وتنمية الثورة القومية وتعيين حامد ذكى باشا وزيرا للدولة وزيرا للاقتصاد .

وتم الترخيص لوزير المواصلات بأنشاء 1600 خط تليفونى جديد بسنترال القاهرة بتكاليف 70 الف جنية .

كما صدر قانون تنظيم مزاولة مهنة الطب وجراحة الاسنان وتضمن عقوبة تصل الى الحبس مدة سنتين لمن يزاول المهنة دون ان يكون اسمه مقيدا بالجدول .

وصدر قانون بتعديل بعض احكام قانون الجامعات لتشجيع الطلاب على الحصول على الشهادات النهائية ومواصلة الدراسة ، يقضى بمنح مكافأت للطلاب المتفوقين الذين يحضرون لدرجة الليسانس او البكالوريوس ، بواقع 30 جنيها مكافأة فى السنة على اقساط طوال مدة الدراسة ، ويشترط لمنح المكافأة ، النجاح فى امتحان المسابقة الذى يعقد لهذا الغرض ، ومنح الطلاب الحاصلين على الليسانس او البكالوريوس بتفوق مكافأة 120 جنيها بشرط ان يتعهد الطالب بمواصلة الدراسة فى الدراسات العليا .

وصدر قانون مجانية التعليم الثانوى والفنى ، وكانت المجانية قبل ذلك مقررة لمن يحصل على 60% من الدرجات .

ووافق المجلس على قانون تسعير المواد الغذائية ومستلزمات البناء والادوية ، وقررت اخراج السكر من نظام البطاقات من بقاء تسعيره وتوفير الكميات اللازمة للاستهلاك .

وقررت عقوبات لمخالفة الاسعار او الامتناع عن بيع السلعة غير المسعرة ، ومعاقبة المشترى الذى يشترى بأكثر من التسعيره واعفائه من العقوبة فى حالة التبليغ عنها بعد ذلك او الاعتراف بها .

كما صدر مرسوم بأنشاء مجلس للسياحة والمصايف والمشاتى برئاسة وزير الاقتصاد يختص بتنشيط السياحة الداخلية والخارجية وتحديد اسعار المحال العمومية بالمناطق السياحية .

وفى 20 سبتمبر 1950 صدر قانون خاص بالجنسية المصرية نص على ان ( المصريون هم اعضاء الاسرة المالكة والمتوطنون فى الاراضى المصرية قبل اول يناير 1848 ، وحافظوا على اقامتهم حتى 10 مارس 1929 ، والرعايا العثمانيون المولودون بمصر وقبلوا المعاملة بقانون القرعة العسكرية سواء بأدائها او دفع البدل منها .

وصدر قانون بميزانية الدولة للسنة المالية 1951/50 ، بلغت فيه المصروفات 205 مليون و 988 الف جنيه ، بينما الايرادات 180 مليون و 949 الف جنيه .

وقد عادت الوزارة الى سياستها التقليدية فى الاستثناءات وفى التعيينات والترقيات والعلاوات ، ولم تكتف بالاستثناءات الجديدة بل امعنت فى المحسوبية ، فأعادت الاستثناءات القديمة التى صدرت من الوزارة الوفدية السابقة فى 1942 حتى 1944 والتى الغتها وزارة احمد ماهر ، ومنحت هؤلاء الموظفين فروق المرتبات المستحقة ، واعتمدت مليون جنيه لهذا الغرض ، وقد نال كل موظف على ضوء ذلك مبالغ بلغت فى كثيرمن الاحيان عدة الوف من الجنيهات ، فكانت بمثابة مكافأت غير مشروعة على استثناءات غير مشروعة ، الامر الذى ادى اضطراب فى مجال العمل الادارى وسريان روح اليأس بين الموظفين .

وكان اخر اجتماع لمجلس الوزراء مساء يوم 26 يناير 1952 ، وكانت القاهرة مشتعلة فى ذلك اليوم ، عقد الاجتماع بمنزل النحاس باشا ، وفى الساعة العاشرة والنصف اذاعت الوزارة مرسوما وقعه الملك بأعلان الاحكام العرفية فى جميع انحاء البلاد ابتداء من مساء هذا اليوم وتعيين النحاس باشا حاكما عسكريا عاما ، وكان اول قرار اصدره بهذه الصفة منع التجول فى القاهره وضواحيها وبندر الجيزة منعا باتا فيما بين الساعة السادسة مساء والساعة السادسة من صباح اليوم التالى ، واغلاق المحال فى هذه الفترة .

كما صدر امرا بمنع التجمهر واعتبار كل تجمهر مؤلف من 5 اشخاص على الاقل مهددا للسلم ويعاقب كل من يشترك فيه بالحبس مدة لاتزيد على سنتين .

وهكذا كان اخر عمل للوزارة اعلان الاحكام العرفية .

وصباح الاحد 27 يناير 1952 ، تسلم النحاس باشا فى منزله كتاب اقالة وزارته موقعا عليه من الملك .

ومن احداث هذه الفترة مولد الامير احمد فؤاد فى 16 يناير 1952 ، وقد سجل اسمه فى السجل الخاص بأولاد الاسرة المالكة برئاسة مجلس الوزراء ، كما صدر امر ملكى بأطلاق لقب ( امير الصعيد ) على الامير الصغير .

 

الوزارة السابقة

 

الوزارة التالية

حسين سرى باشا

( الرابعة )

27 يناير - 24 يوليه 52

( 4 وزارات )

الصفحة السابقة

الصفحة التالية

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net