الأمير عباس حلمى حفيد الخديو عباس وابن الوصى على عرش مصر (١-٢) :  الأسرة العلوية تريد أن يسود نظام ديموقراطى ..  وترفض التدخل فى السياسى

 

 

اسامة خالد

 

( الأمير العصامى ) ربما يكون هذا هو أكثر الألقاب مناسبة للأمير عباس حلمى ، حفيد الخديو عباس الثانى ، وابن الأمير محمد عبدالمنعم ، الوصى على عرش مصر بعد قيام الثورة ، خرج الأمير الشاب من مصر مفلساً تقريباً ، بعد أن ألغت الثورة الملكية وصادرت أموال والده ، لكنه الآن واحد من أباطرة البورصة المصرية .

عاش الأمير عباس وعائلته فترات درامية عصيبة شأنه فى ذلك شأن معظم أفراد العائلة المالكة السابقة ، وكان من أوائل العائدين إلى مصر فور أن سمح السادات للأسرة المالكة بالعودة ، يفتح الأمير عباس حلمى خزانة أسراره لـ ( المصرى اليوم ) ، ويحكى المسكوت عنه بداية من الصراع على عرش فاروق ، وعلاقته بمحمد نجيب ، أول رئيس لمصر بعد الثورة ، وقضية الأسلحة الفاسدة ، والخلاف على ولاية عهد الملك أحمد فؤاد ، وسواها من ملفات الأسرة المالكة التى لا يعرف الهدوء طريقاً إليها ، رغم دخولها فى ذمة التاريخ منذ ما يزيد على نصف قرن .

البعض يحمل الملك فاروق مسؤولية انهيار حكم الأسرة ، هل تتفق مع ذلك ؟

  • أخيراً عرف الناس بعد المسلسل الأخير عن الملك فاروق أنه لم يكن ذلك البعبع الذى صُور لهم ، لكنه أخطأ فى بعض الأشياء ، والمشكلة أن النظام فى وقته كان ضعيفاً ولم يحسن التصرف .

ما هى أهم أخطائه ؟

  • كانت له أخطاء بالطبع ، وإذا رأيت الأسرة من الداخل فستجد أنه كانت هناك معارضة له ولتصرفاته ، فمثلا الأمير يوسف كمال كان من الأعضاء المهمين والمؤثرين جداً فى الأسرة ، وكان أغنى أفرادها ، أصدر مع عباس حليم وعمر طوسون بياناً هاجموا فيه الملك .

هل شملت هذه الخلافات صراعاً حول من الأحق بالحكم داخل العائلة ؟

  • نعم ، وكل نظام له مميزاته وعيوبه ، الصراع بين أجنحة العائلة أحد أهم عيوب النظام الملكى ، حيث يرى كل فريق أو طرف أنه الأحق بالحكم من الملك الفعلى .

كان هذا الصراع الحاد موجوداً داخل الأسرة العلوية ؟

  • كان الملك فاروق حينها ضائعاً ، ويذهب إلى الكباريهات ، فخرج من يقول ( أنا أحسن منه ) وبينهم عباس حليم ، والأمير عمر طوسون ، ومحمد على توفيق ، وآخرون .

هل يستحق الملك فاروق بأخطائه هذا المصير من طرد وعزل ؟

  • دعنا نعد للمبادئ الأساسية ، التى وضعتها العائلة فى الحكم ، عندما أسس الخديو إسماعيل أول برلمان مصرى كان يريد أن نكون دولة متحضرة ومختلفة ، وهذا أزعج الإنجليز جداً لذا ضغطوا بعد ذلك لإغلاقه ، وعندما أعاد جدى الخديو عباس افتتاح البرلمان مرة أخرى كان فرحاً جداً ، والشعب المصرى عندما خرج أيام الخديو توفيق متظاهراً كان ينادى بالدستور ، والأسرة كلها كانت تريد حكماً ملكياً دستورياً ، وعندما نفكر فى الملك فاروق لابد أن نرجع لهذه المبادئ .

هل تعنى أن الملك فاروق تخلى عنها ؟

  • نعم تخلى عنها ، هو كان قائداً بسيطاً ، وآخر أخطائه كان تدخله فى انتخابات نادى الضباط قبل الثورة .

هل قابلت الرئيس محمد نجيب بعد الثورة ؟

  • نعم ، جاءنا أولاً عندما كان والدى وصياً على العرش ، وأنا وقتها كنت طفلاً صغيراً ، ولما توفى والدى جاءنا معزياً وشارك فى الجنازة ، وبعد ذلك رددت له الزيارة بعد عزله خلال وجوده تحت الإقامة الجبرية .

هل سمحوا لك بزيارته بسهولة ؟

  • دخلت بكل سهولة رغم وجود حراسة كبيرة جداً عليه ، هو كان فى منزل زينب هانم الوكيل فى المرج ، وكان يعيش فى غرفة ( المكوجى ) أعلى السطوح مع ابنه يوسف وحالتهما كانت صعبة جدا ً.

ما طبيعة الحوار الذى دار بينكما ؟

  • الحوار كان ظريفاً جداً ، والظاهر أنه كان أحب والدى بشدة ، ولمست هذا من كلامه ، وهو لم يكن يعرفه قبل أن يصبح وصياً على العرش ، لكنه تعرف به بعد ذلك وكان يتقابلان كثيراً ، وأذكر أنه قال لى إن والدى كان رجلاً طيباً وأحبه جداً ، وأكد لى نجيب أنه لم يكن راضياً عما حدث من بعده .

ماذا كان يقصد ؟ رفع الوصاية عن الملك أم مصادرة أموال أسرتك أم ماذا ؟

  • لم يكن راضياً عن الحكم العسكرى ، الذى جاء من بعده ، وأكد لى أنه لم يكن يخطط لذلك ، وقال إن ( الجماعة ) ضحكوا عليه .

لماذا لم يكتب والدك مذكراته عن فترة الوصاية على العرش ، وهل كانت عصيبة أم هادئة ؟

  • لا ، هو لم يكتب عنها ولم يرد أن يكتب .

ألم يحك لك عن تلك الفترة وانطباعاته عن الثوار الجدد ؟

  • فى تلك الفترة كان يذهب الى قصر عابدين كل يوم ، وكان يرى أنه ( عمل الواجب ) ، وأعتقد أنه كان يشعر بضرورة الحفاظ على العرش والنظام ، لكنه فشل فى ذلك .

كيف استقبل قرار إلغاء الملكية والوصاية وإعلان الجمهورية ؟

  • كان حزيناً جداً بالطبع .

بعد ذلك بفترة صودرت أملاككم .. هل حكى لك ؟ وهل تذكر أنت تفاصيل تلك الأيام خاصة أن والدك كان فى صدارة العائلة المالكة فى ذلك الوقت ؟

  • لم يكن فى منصب رفيع طوال الوقت ، هو كان ولى العهد أيام والده الخديو عباس ، وبعد ذلك خرج إلى المنفى لفترة طويلة ثم استطاع العودة بصعوبة ولم يكن وضعه سهلا ، وأصبح وصياً على العرش فى وقت صعب جداً ، استمر ٩ أشهر فقط .

كان والدك بذرة الأمل الاخيرة للاحتفاظ بعرش الأسرة العلوية ، هل كان يتلقى مساندة من الأسرة وقتها ؟

  • معظم أفراد الأسرة كانوا يساندونه ولم يكن هناك أحد ضده .

عندما صدر قرار إلغاء الوصاية والملكية هل حاول إجراء أى مفاوضات مع الثوار ؟

  • لم يكن يستطيع أن يقف أمامهم وكان الوحيد الذى يمكنه أن يفعل شيئاً هو محمد نجيب وأنت تعرف وضعه جيداً ، والمشكلة أن أبى أيضا كان بعيدا عن الحكم قبل أن يأتى ، لذا لم يكن مسيساً بما فيه الكفاية ، ونحن بصفة عامة عائلة تريد أن يسود نظام دستورى وديمقراطى ، وكنا نرفض التدخل فى السياسة .

وهذا مالم يلتزم به الملك فاروق وكانت بداية خطاياه ونهايته ؟

  • نعم هذا ماحدث ، أظن أنها بداية خطاياه وهو تعامل مع الأمور بشكل إنسانى وكان متضايقاً مما يحدث فتدخل وكان يجب عليه ألا يتدخل ويتورط فيما لا يعنيه .

هل كان فاسداً ؟

  • لا .. لا أظن ولا أعتقد أنه كان فاسداً .

لكنه تورط ايضا فى شراء أسلحة فاسدة وكانت هناك عمولات ورشاوى ؟

  • لا ليس هو ، ما أعرفه وأنا لست خبيراً أنهم دخلوا حرب ١٩٤٨ وهم غير جاهزين وحاول الكثيرون أن يمدوا يد المساعدة ، ومنهم عباس حليم وآخرون شكلوا لجنة وتبرعوا من أموالهم الشخصية لشراء الأسلحة ، وكان تسليح الجيش المصرى كله وقتها إنجليزياً ، لكن خبرتهم القليلة دفعتهم لشراء أسلحة قديمة والجيش لم يكن مدربا عليها ، هم لم يشتروا أسلحة فاسدة لكنهم ربما اشتروا فعلا أسلحة قديمة ، وكانت المشكلة أن قرار الحرب تم اتخاذه ولا توجد أسلحة أو ذخيرة لدى الجيش ، المشكلة كانت فى القرار نفسه ، والملك فاروق لم يكن له دور فى حرب ١٩٤٨ ولم يكن هو صاحب القرار بل رئيس الوزراء .

إذا لخصنا الملك فاروق فى كلمة ظالم أو مظلوم ماذا تختار ؟

  • لم يكن ظالماً ، هو لم يرسل أبرياء إلى السجون ولم يكن حتى يستطيع ذلك ، هل تعلم أن الملك فاروق عندما اشترى سيارة رسمية جديدة ورفض البرلمان تمويلها ، دفع ثمنها هو .

بعدما خرج من مصر هل كان هناك من يسأل عليه ويكلمه من الأسرة ؟

  • أنا رأيته وتقابلت معه لكن مشكلته أنه كان دائماً بعيداً عن الاسرة ويتعمد الابتعاد ، وفى المنفى أيضاً كان بعيداً عن الاسرة ، لكنه كان يقابل من يأتى إليه .

الكثيرون قالوا إنه كان مكروهاً من الأسرة ؟

  • لا أستطيع أن أقول ذلك ، بشكل واضح أعتقد أن الأمور لم تصل إلى الكراهية لكن كانت هناك معارضة عائلية شديدة له ، وهو كان يقابل هذه المعارضة بجفاء وكان لا يكلمهم ، وأعطيك مثالاً ، فالأمير محمد على توفيق ولى عهده ورئيس البلاط الملكى كان عمه وأكبر العائلة سنا ، وكنت أسمع أن الملك فاروق كان يشعر بالضيق عندما تكون هناك مناسبة ويجلس بجواره الأمير محمد على ، لأنه كان كثيراً ما يؤنبه على تصرفات كان يقوم بها ، مثل مجالسة شلة بعضهم كانت سمعته سيئة ، وكان الأمير محمد على توفيق يأتى إليه ويحذره .

لماذا ابتعد الملك فاروق عن الأسرة هل لمعارضتها له أم خوفا منهم ؟

  • أكيد كان غاضبا بسبب معارضتها له ، وكان خائفا أيضا من أن يكون أحدهم طامعا فى الحكم .

وماذا عن ابنه الملك أحمد فؤاد هل قاطع اسرته هو أيضا ؟

  • للأسف أنا لا أعرفه جيداً ، قابلته أكثر من مرة ، لكن لا يمكننى أن أحكم عليه ، أسمع أخباره من بعيد لبعيد ولا أعرف تفاصيل حياته جيداً .

رغم حالة البعد تلك التى يفرضها الملك أحمد فؤاد حسبما تقول إلا أنك وعددا من أفراد الأسرة اعترضتم على زيجته من الأميرة السابقة فضيلة ؟

  • لا أعرف تفاصيل كثيرة لكن ما حدث أننا فعلا اعترضنا على هذه الزيجة وكان سبب ذلك أن الأسرة لها قواعد ونظم ، كان عندنا البلاط الملكى هو الذى يحكم ويسيطر على القواعد العائلية ، والملك فاروق نفسه حذف من العائلة والدته وأخته وكان ذلك بالتأكيد صعباً جداً بالنسبة له ، هذا البلاط الملكى له قواعد صارمة للغاية لا يمكن أن يتخطاها أى فرد .

  • ومن ضمن تلك القواعد أنه لا يجوز لأى فرد من الأسرة أن يتزوج سيدة لم تولد مسلمة ، ربما تكون هذه القواعد شديدة بعض الشىء وهى أعنف من الشريعة الإسلامية ، ولكن قواعد البروتوكول العائلى تنص على ذلك وسبق أن خرج من الأسرة أفراد لهذا السبب ، وعندما يأتى أحمد فؤاد ليخالف قواعد البروتوكول فهذا لا يجوز عندنا فى العائلة ، وإذا قلنا إننا فى المنفى وهذه القواعد لا تطبق إذن هو حر ، لكن بشرط ألا يجبرنا أن نتعامل معها على أنها الملكة ، هذا لا يجوز وهو أضر نفسه ، وأنا لم أرَ هذه السيدة من قبل ولم أسع لرؤيتها .

هل كان يجب أن تطبق قواعد البلاط الملكى على الملك أحمد فؤاد ويطرد من العائلة ؟

  • لا أبدا لأنه لم يعد هناك بلاط ، ونحن نتكلم عن نظام لم يعد موجوداً حاليا ، ولكن من المفترض أن يكون أساس تعاملاتنا .

ألم يحاول أى من أفراد العائلة أن ينصحه ؟

  • أنا لم أفعل ، لكن اعتقد أن بعض أفراد الأسرة كلموه وحاولوا معه .

تردد مؤخرا أن هناك ضغوطا عائلية لتغيير محمد على ابن الملك أحمد فؤاد من ولاية العهد بسبب ما يتردد عن عودة والدته لديانتها اليهودية ؟

  • لا أعلم أى شىء ، أنا ساكن هنا فى القاهرة .

لكن هل هناك نية داخل الاسرة لتغيير ولاية العهد اذا صح ذلك ؟

  • أرى ان الموضوع من أوله لم يكن مضبوطاً ، وكان هناك خطأ من البداية ، أنا لا أستطيع أن أتكلم عن آخرين ، ولا أعرف هؤلاء الناس ، ولكن إذا ابتعدنا عن الأسماء فإن هذا لا يجوز ولا يصح ، وعلى العموم نرجع للبلاط ونحتكم إلى قواعده .

دعنا نكن واقعيين هناك مطالبات بالفعل داخل الأسرة لتغيير ولاية العهد من محمد على ابن أحمد فؤاد ؟

  • فعلا فلنكن واقعيين ، هل هناك نظام ملكى الآن ؟ ولاية عهد لمن ؟

ولكنكم كأسرة مازلتم متمسكين بمبادئ العائلة ، ورشحتم أربعة لخلافة محمد على فى ولاية العهد منهم داوود ابنك ؟

  • المهم أننا فى وضع مختلف تماماً الآن ، فلا وجود للحكم ولا وجود للبلاط .

هل تعتقد أن الملك فاروق ظلم أسرته بابتعاده وإبعاد أبنائه عنهم ؟

  • لم يظلم أسرته ، لكنه خسر الكثير بابتعاده عنهم خاصة أنه كان من بينهم من يمكن أن يتعلم منهم .

 

 

تاريخ العدد : 14/4/2010

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net