متحف الحضارة المصرية الكبير

رحلة في تاريخ مصرعبرالعصور

 

يضم 100 الف قطعة اثرية ويعانق اثار الديانات الثلاث

 

المتحف الكبير للحضارة المصرية الذي يجرى إقامته حاليا في منطقة مصر القديمة على أعلى مستوى ، ليضاهي أكبر المتاحف العالمية ، سيستوعب 100 ألف قطعة أثرية تمثل تطور الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث بتكلفة إجمالية قدرها 500 مليون جنيه وهو فى الواقع ما تمناه الملك فاروق وسكرتيره الخاص الدكتور حسين حسنى باشا بعد انتهاء العمل فى متحف الحضارة المصرية المصغر بالجزيرة فى سنة 1949 .

 ويقام المتحف في منطقة تتجاور فيها الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية على مساحة 25 فدانا في منطقة الفسطاط ، بجنوب غربي القاهرة ، ويجاوره جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة ومعبد بن عزرا اليهودي ، وتشرف على إنشائه منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ، التي أقر خبراؤها مراحل الإنشاء خلال اختتام اجتماع لهم في القاهرة .

 فلسفة إقامة المتحف مبنية على استغلال المنطقة الفريدة الواقع فيها ، بالقرب من مواقع شديدة الارتباط بالديانات السماوية الثلاث ، وهو ما يجعل المنطقة بؤرة ومركزا للإشعاع الثقافي والحضاري ، كما أن للمنطقة دلالة رمزية للمصريين ، إذ إنها جزء من مدينة الفسطاط أول عاصمة عربية وإسلامية لمصر ، التي قام ببنائها عمرو بن العاص بعد فتحه مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب .

 ومن المقرر أن يضم المتحف كل مظاهر الثراء والتنوع الذي تمتعت به الحضارة المصرية خلال الأزمنة المختلفة ، بدءا من عصر ما قبل التاريخ وحتى وقتنا الحاضر ، وسيضم بين جنباته آثارا نادرة تم جمعها من المتاحف والمخازن المنتشرة في مصر ، من خلال أسلوب منهجي تم تقييمه بحيث يبرز المتحف جوانب التراث المصري ، وتأثير الحضارة المصرية على الحضارات الأخرى .

 ويتجاوز المتحف الغرض التقليدي من مجرد قاعات تضم الكنوز والآثار ليشاهدها زوار مصر وغيرهم، إلى شكل يمثل نوعا جديدا من المتاحف لم تألفه مصر ولا الشرق الأوسط بأسره، باحتوائه المنتظر على مكتبة ومعامل للترميم ومنطقة ترفيهية، ما يجعل منه متحفا ومؤسسة ثقافية متكاملة.

 ويبرز متحف الحضارة نماذج من مختلف العصور بما يحتويه من مجموعات أثرية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ ، ومن ثقافات متعاقبة وتاريخ لملوك وسلاطين وولاة وحكام وأديان ومعتقدات وتعبيرات جمالية ، يأخذ بزائريه في رحلة فريدة خلال حقب التاريخ المصري ، ويتيح لهم التعرف على تاريخ أقدم حضارات العالم ، وبمعنى أدق أقدم دولة في العالم .

 وحسب السيناريو فإن المتحف سيحوي ثمانية معارض متخصصة ، مكونة من معرض شامل عن الحضارة المصرية ، يقع في قلب المتحف ، بجانب معرض للمومياوات الملكية ، وستة معارض أخرى بعناوين ( فجر الحضارة ، النيل، الثقافة المادية، الكتابة والعلوم، الدولة والمجتمع، العقائد والفكر ) .

ويحرص القائمون على المشروع أن تكون مقتنياته في إطار متسلسل تاريخيا خلال ثماني فترات أساسية ، هي : ما قبل التاريخ ، العصر العتيق ، العصر الفرعوني ، العصر اليوناني ، الروماني ، العصر القبطي ، العصر الإسلامي ، العصر الحديث ، ثم المعاصر وذلك طبقا لما حواه متحف الجزيرة الملكى للحضارة المصرية .

 ويضم معرض المومياوات الملكية مومياوات أشهر ملوك مصر الفرعونية ، مثل : رمسيس الثاني ، وتحتمس الثالث ، وأمنحوتب الثالث ، وسيتي الأول ، بالإضافة إلى الكثير من الأمراء والوزراء والحرفيين في العهود الفرعونية ، كما يحتوي على مجموعات حلي المتحف المصري في ميدان التحرير ، التي تعبر عن تكنولوجيا الصناعات الدقيقة في مصر منذ أكثر من 3 آلاف عام .

ومن أبرز سمات المجموعات الأثرية التي سيتم عرضها ، الآثار النادرة لفترة ما قبل التاريخ ، وهى عبارة عن أفضل القطع الأثرية في مجموعة زكي سعد ، التي جمعها مما يقرب من ألف مقبرة أثرية ، تم اكتشافها في ما بين عام 1940 إلى عام 1950 ، بجانب مجموعة منشأة أبي عمر ، التي تضم قطعا أثرية عثر عليها في مقابر الطبقة الأرستقراطية .

ومن روائع المعروضات التي سيضمها المتحف ، مجموعة فنية من العصر اليوناني الروماني ، وتضم صورا وأعمالا لمنحوتات عثر عليها في مدينة الفيوم ، وأخرى من العصر القبطي ، ومنها مخطوطات ونسخ مزخرفة من الإنجيل ، وكذلك من العصر الإسلامي ، تشمل مخطوطات وأعمال الخزف والأسلحة وعددا من الأعمال الفنية والمصنوعات اليدوية .

وسينظم المتحف معارض مؤقتة في صالات العرض المخصصة ، لإبراز حاضر الثقافة المصرية وماضيها ، بما يجعله مؤسسة قومية كبيرة وجديدة بما يقدمه ، حسبما هو متوقع ، من رؤية ديناميكية ومبتكرة للحضارة المصرية في الماضي والحاضر .

ويتيح المتحف للزائرين الكثير من المصادر التعليمية ومصادر البحث ، من خلال مكتبته ومراكز الدراسات التي به والصور والأرشيفات ومصادر التدريس والمطبوعات ، إلى جانب إمكانية حصولهم على ما يريدون من معلومات من خلال شبكة  ( الإنترنت ) .

وقد مرت أعمال تنفيذ المتحف بثلاث مراحل ، الأولى بدأت في الفترة من 1986 إلى عام 1990 ، عندما كان مقررا إنشاء المتحف في أرض الجزيرة ، إلى أن تغير الموقع إلى موقعه الحالي ، أما الثانية فهي التي تلت قرار نقله إلى منطقة الفسطاط وما ترتب على ذلك من تعديلات جوهرية نتيجة لتغيير الموقع ، وبمرور ما يقرب من 10 سنوات على التصميم الأول ، وحتى عام 2004 ، تم إضافة عناصر جديدة لم تكن موجودة أصلا مع زيادة مسطحات معظم العناصر الأصلية .

 أما المرحلة الثالثة والأخيرة ، التي ستنتهي منتصف 2013 ، فتشمل زيادة مسطحات عرض قاعات المومياوات ، واستحداث مسطحات للأطفال داخل مسطحات العرض المتحفي ، وزيادة مسطحات العرض المؤقت ، وزيادة مسطحات خدمات الجمهور داخل جناح الاستقبال ، وكذلك داخل جناح العرض المتحفي بهدف تعظيم العائد بما يضمن حسن الإدارة والصيانة للمبنى .

وحسبما هو مخطط ، فالزائر للمتحف سيستطيع التعرف على النواحي التفصيلية لقيام الحضارة المصرية في عصورها المبكرة والتحول الكبير الذي طرأ على مظاهر حياة الإنسان المصري منذ أن عرف الاستقرار وتعلم الزراعة والرعي ، وتكوين الأقاليم والمدن حتى بداية تكوين ملامح الدولة المصرية .

ويدحض المتحف المزاعم القائلة بأن الكتابة المسمارية هي أقدم الكتابات ، إذ أثبتت الاكتشافات الأثرية في أبيدوس أن المصريين توصلوا للكتابة المصرية قبل المسمارية بأكثر من 300 عام ، وذلك من خلال ما يعرضه المتحف من مقتنيات تشهد على هذه الحقائق .

وتتناول معروضات المتحف بالشرح والتحليل لنظام الحكم المصري وتعايشه مع المجتمع ، حيث أثبتت كل الشواهد أن أقدم حكومة مركزية في العالم لأقدم دولة هي مصر ، وكيف سادت العلاقة بين الحكومة والمجتمع التي تباهى بها المصريون منذ قدم الأزل كدلالة على العدل والمساواة .

  العثور على لوحات نفيسة بسرداب متحف الحضارة المصري

اكتشف فريق الترميم بقطاع الفنون التشكيلية سردابا سريا بمتحف الحضارة القديم بالجزيرة ، وفى مؤتمرصحفي بمتحف الجزيرة، حضره الدكتور / أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية ، والفنان أحمد عبد الفتاح رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض ، والناقد صبحي الشاروني تم التصريح بالتالى :

أكد الدكتور رضا أن قصة الكشف بدأت يوم الأربعاء 20 أبريل 2011 أثناء قيام فريق الترميم بإخلاء جدران متحف الحضارة المصرية ( 1949 – 1989 ) من الديورامات المثبتة داخل جدران المتحف حتى وصلوا الى ديوراما ( مجرى حوض النيل ) الضاربة بعمق ثماني أمتار داخل الحائط ، وعند استخراجها تم اكتشاف وجود باب سري يؤدي إلى سرداب .

وبناء عليه قام الدكتور / رضا بتشكيل لجنة برئاسة الفنان أحمد عبد الفتاح ، وعضوية الفنان طارق مأمون مدير عام المتاحف ، والدكتور / منال شلتوت مدير متحف الحضارة القديم ، لحصر الأعمال الموجودة في السرداب وتوثيقها وتسليمها إلى إدارة الترميم .

يصل إجمالي أعمال خبيئة السرداب إلى 222 عملا ، 18 بانوه للوحات زيتية كبيرة من أعمال الرواد ، 85 إسكتش فني ملون بالألوان المائية لتجهيزات العرض المتحفي الذي تم افتتاحه عام 1949 ، 65 من الرسومات الهندسية والمعمارية الخاصة بمتحف الحضارة المصرية الذي صممه وأشرف على تنفيذه مصطفى بك فهمي عام 1936 بتكليف من ملك مصر والسودان فاروق الأول ، 19 خريطة قديمة للقطر المصري وتخطيط مدينة الإسكندرية ، 32 رسما توضيحيا ، و ثلاث صور فوتوغرافية .

وأشار الدكتور / رضا إلى أن أعمال الترميم بمتحف الحضارة المصرية تأتي ضمن منظومة العمل لمشروع إنشاء متحف الجزيرة العالمي ، حيث سيتم إلحاق الفراغات الخاصة بالمتحف ضمن مساحات العرض المطلوبة لإنشاء المتحف الجديد الذي يعد الأكبر شرق أوسطيا للفنون المختلفة .

وسيضم المتحف الجديد أكثر من 4000 عمل فني ، تحوي ممتلكات القصور الملكية بمصر ، والتي يأتي على رأسها أعمال فناني القرن التاسع عشر أمثال أوجست ، رينوار ، أوجين ديلاكروا ، كلود مونيه ، آنجر ، رودان وغيرهم ، إلى جانب أعمال النسيج القبطي ، والزجاج الفاطمي ، والفازات السيفر والشنواة .

وأعلن رضا أنه سيتم اصدار هذه الأعمال في كتاب وثائقي لهذه الخبيئة ، كما وجه الدكتور / عماد أبو غازي وزير الثقافة إلى إقامة معرض فني كبير لأعمال الخبيئة خلال الشهر التالى ليطلع الجمهور على جزء هام من ذاكرة مصر التاريخية والفنية فور الانتهاء من ترميم هذه الأعمال ، والانتهاء من أعمال لجنة الفحص والتوثيق وتدقيق البيانات المشكلة برئاسة الناقد الدكتور / صبحي الشاروني .

وقال الشاروني : المتاحف مؤسسات تعليمية ، لكن بعد انهيار التعليم لم يعد الطلاب يزورون المتحف ، رغم أن السائحين يأتون لبلادنا من مختلف بلاد العالم لمشاهدة حضارتنا الإنسانية العريقة ، في حين أن أبناء البلد لا يعرفونها ، وبعد إدخال تعديلات كبيرة على وزارة التربية والتعليم أصبح من الصعب إعادة الإحترام لمتاحفنا ، لذا علينا كشعب زيارة المتاحف لمشاهدة الظروف المختلفة التي مرت البلاد بها ، وكيف استولت عليها قوى مستعمرة ثم استقلت مصر ووقفت على قدميها .

توقع الشاروني أن سبب اختفاء الخبيئة هو أن الحكم الذي جاء بعد ثورة 1952 كان يخشى محاسبته ، فالكتالوج الذي يضم صورة الملك فاروق تم تخزينه في هذا السرداب مع كراتين اللوحات التي تصور أسرة محمد علي ، والجوانب الإيجابية فترة حكم الأسرة العلوية كلها ، ولذلك استخدم هذا السرداب في حفظ التجارب التي كان سيوافق على عرضها في المتحف ، كما ضمت الأعمال المخزنة بالسرداب صورة للرئيس الأول لمصر محمد نجيب مع مجلس قيادة الثورة ، وهذا كان مقصود إخفاءه ، ولذلك تم غلق السرداب بعد إزاحة نجيب من السلطة أي عام 1954 .

وأوضح الشاروني أن أعمال الفنانين التي اكتشفت في هذا السرداب تقدر بأسعار مرتفعة جدا من بينها أعمال لحسين فوزي ، حسين يوسف ، يوسف طبوزاده ، نجيب فانوس ، راغب عياد ، حسني البناني ، محمد حسن ، أحمد يوسف ، محمد السيد العزازي ، أحمد عثمان وغيرهم من فناني مصر الكبار .

كما تضم الأعمال مجموعة كبيرة من الرسوم الهندسية والخرائط جميعها للمهندس محمود كامل حسن .

وأكد الشاروني أن اللجنة ستحاول تحديد القيمة المالية للوحات التي سيتم توثيقها ، وأنها ستتعدى في بعض اللوحات المليون جنيه .

بالإضافة إلى الكتالوج الذي طبع عام 1949 للمتحف والذي وزع بأكمله ولا نجد منه سوى نسختين أو ثلاثة في السرداب ، لكن وجدنا آلاف النسخ طبعت بعد ذلك لنفس الكتالوج عام 1950 ، ولكن بعد تصغير بعض الصور مع وجود نفس البيانات واللوحات الموجودة في الكتالوج القديم .

من جهته أعلن رئيس قطاع الفنون الدكتور / أشرف رضا أنه سيتم فتح أبواب المتحف يومين أو ثلاثة في الشهر مجانا في فترة ليلية للجمهور من الساعة التاسعة مساءا للواحدة صباحا ،  كما يتم البحث عن موقع آخر لإعادة العرض المتحفي لمتحف الحضارة الذي سيضم محتوياته لباقي مساحات متحف الجزيرة العالمي الجديد المتوقع الانتهاء منه في عام 2013 ، ويضم أعمال من القرن الثامن والتاسع عشر .

الفنان طارق مأمون حد أعضاء اللجنة ، قال : سوف يتم أولا فحص الأعمال المكتشفة في السرداب ، وتحديد الاحتياجات الترميمية لكل عمل ، وتنسيب الأسماء للوحات المجهولة الغير موقعة ، والأولوية التاريخية والأهمية من الناحية المتحفية للأعمال بشكل عام ، وتصنيف الأعمال .

وفي المرحلة الثانية سيتم البدء في ترميم الأعمال بشكل واسع كتنظيفها وصيانتها ومعالجة التوالات من الفطريات ، ومعالجة الأوراق وتبشيرها لأنه مع الحرارة والرطوبة لابد معالجته من الجفاف والفطريات التي زادت مع الزمن . 

وبعد ذلك سيتم عرض الخبيئة بشكل كامل ، والتي تحمل أعمال استثنائية لمجموعة من أهم الفنانين المصريين في فترة الأربعينيات والخمسينيات .

وأهميتها الكبرى أن بها عناصر كثيرة تنقل لنا فكرة تطور اللوحة ، ومراحل إنتاج العمل الفني من اسكتش لرسم تحضيري لرسم آخر بمقياس رسم وصولا لمرحلة العمل النهائي ، فنحن عندنا في الثقافة التشكيلية عدد قليل جدا من الأعمال التي تعرض مراحلها التمهيدية ، فمعظم التشكيليين لا يهتمون بعرض هذه المراحل من الأعمال ، لكن هنا الزمن حفظ لنا هذه المراحل لفنانين كبار .

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net