اسماعيل المفتش .... من قمة السلطة الى قاع النيل

القاهرة : حلمى النمنم

 

في الدول العربية ، إذا اصطدم الانسان بالسلطة ، أنكره الكثيرون أو الجميع ونسيه الكثيرون أيضا ، حتى أولئك الذين اسدى اليهم المعروف ، وهذا هو حال اسماعيل صديق ( المفتش ) ، كان المفتش - سمي الخديو اسماعيل - هو الرجل الثاني في الدولة ، وأحيانا الرجل الأول ، حتى أن أمراء الأسرة العلوية كانوا يغارون منه ويحقدون عليه وأيضا يسعون للتقرب اليه ، كانت علاقته بالخديو أشبه بعلاقة عبدالناصر وعبدالحكيم عامر بعد ثورة يوليو عام 1952 في مصر وكذلك علاقة هارون الرشيد وجعفر البرمكي ، ثم مالبث ان انقلب عليه الخديو وقتله ، فتنكر له الجميع ، وذكر اسماعيل صدقي ( باشا ) رئيس وزراء مصر الاسبق في مذكراته التي صدرت سنة 1950 أن والده ، سماه ( اسماعيل صديق ) تيمنا بالمفتش ، وعندما انقلب الخديو على المفتش ، ذهب والده لتغيير اسم ابنه ليصبح ( اسماعيل صدقي ) حتى لا يتصور الخديو اسماعيل انه من المعجبين بالمفتش ويحسبه عليه ، وكان والد صدقي مديرا لاحدى المديريات ، أي بدرجة محافظ ، ترى هل يختلف ذلك السلوك في شيء عن سلوك العامل البسيط الذي تحدثت عنه الصحف المصرية بعد 23 يوليو 1952 ، وكان العامل قد سمى ابنه ( فاروق ) على اسم الملك فاروق وما ان خلع فاروق عن العرش حتى قام بتغيير اسم ابنه وسماه محمد نجيب .. ولا نعرف هل قام بتغيير اسمه للمرة الثالثة بعد 1954 حين خلع نجيب وحددت إقامته !! .

وصدر في القاهرة - نهاية2005 - كتاب ( اسماعيل صديق المفتش .. رجل الأزمات ضحية الوشاية ) والكتاب كان في الأصل رسالة ماجستير قدمت الى احدى الجامعات المصرية ، وهو الكتاب الأول الذي يصدر عن المفتش منذ مقتله في 10 ديسمبر 1876 ، وفقا لبيان الحكومة المصرية ، أي بعد 139 عاما من الوفاة ، والرجل يستحق اكثر من دراسة واكثر من تناول ، وهناك من عرج عليه عند دراسة عصر الخديو اسماعيل أو التأريخ لمصر في القرن التاسع عشر ، فهو بشخصه ودوره لا يمكن تجاهله ، وأشاد به أحمد عرابي في مذكراته ، واعتبره العرابيون واحدا من الزعماء الوطنيين ، وفي دراسته لعصر اسماعيل رأي د. لويس عوض ان المفتش راح ضحية الصراع الأوروبي على مصر وأنه دفع حياته ثمن موقفه الوطني ضد التدخل الأوروبي حول مصر ، وأنصفه عبدالرحمن الرافعي في كتابه عن عصر اسماعيل .

الغموض يلف حياة المفتش كلها ، فلا يعرف أحد متى ولد بالضبط ، وان كان الدارسون وايضا اقرباؤه قد حددوا مولده بعام 1830 ،  قياسا على أنه العام الذي ولد فيه الخديو اسماعيل ، وقد كانا أخوين في الرضاعة ، وهناك من يقول انه ولد في الجزائر وجاء الى مصر في شبابه وأقام وعمل بها ، لكن معظم الباحثين يتجهون الى أنه ولد في أسيوط ، وقد عملت والدته مرضعة في قصر ابراهيم باشا ، وكانت خوشيار هانم زوجة ابراهيم باشا قد شعرت بجفاف ثدييها فلم تتمكن من ارضاع وليدها الأمير اسماعيل فعهدت به الى فلاحة مصرية لترضعه وهي والدة المفتش ، والواضح ان والدته كانت جارية في القصر واعتقت لتتزوج أحد الضباط ، على عادة ذلك الزمان ، ومنح والده أرضا في أسيوط فتربى المفتش هناك ، وليس صحيحا ما رواه الرافعي عن أنه تربى في يؤس وعوز ، ولا يعرف أحد أي مستوى من التعليم حصله المفتش ، لكنه لم يكن على درجة عالية من التعليم ، فلم يكن يتكلم الا العربية ولم يكن يجيد كتابتها ، وكان المعتاد وقتها أن يتكلم من يعمل في خدمة الدولة التركية الى جوار العربية ثم الفرنسية في عهد ما بعد محمد علي ، ولم يكن غريبا ان اسماعيل صديق لم يحصل قدرا كبيرا من التعليم النظامي ويتولى كل هذه المناصب ، محمد علي نفسه كان أميا طوال حياته ، وإن تعلم التركية في نهاية عمره ، لكنه الى أن توفى لم يقرأ بالعربية ولا كتب بها .

المناصب والثورة :

ومنذ عهد محمد علي ارتبطت الوظائف الكبرى بالثروة ، فقد كان الحاكم يمنح المسؤول المتميز أراضي زراعية بمساحات شاسعة ، وبلغ ما منحه محمد علي لموظفيه من أراض 200 الف فدان وسار اولاده من بعده على نهجه ، وكان محمد سعيد كريما فبلغ ماقدمه لهم نصف مليون فدان ، أما اسماعيل فكان ميالا للبذخ فأعطى المسؤولين لديه 900 الف فدان ، وبهذه الطريقة وجدنا الموظفين الذين بدأوا حياتهم الوظيفية فقراء أو مستورين تحولوا الى كبار الملاك مثل محمد شريف باشا واسماعيل راغب واسماعيل المفتش ، وكانت أول وظيفة تولاها المفتش ( مسير الركائب ) للوالي عباس ، أي رئيس الاسطبلات ، ثم صار مفتشا بالدائرة السنية بمديرية الشرقية وبلغت أملاكه 130 فدانا ثم انتقل الى مدينة ( السنطة ) ، ومنها صار مفتش عموم الدائرة السنية حتى مارس 1863 ، وانعم عليه برتبة الباشوية ونال النيشان العثماني من الدرجة الثالثة ، وحتى ذلك الوقت ارتفعت أطيانه الى 805 افدنة ، وكان صعوده الحقيقي مع تولى الخديو اسماعيل حكم مصر .

وهناك مصادفة ساقها القدر دفعت باسماعيل الى عرش مصر ، فقد كان مقررا أن يتولي الأمير أحمد رفعت الحكم طبقا لترتيب وراثة العرش ، لكن توفاه الله فجأة لتأخذ حياة المفتش بعدا آخر ، فقد عينه الخديو اسماعيل في وظيفة مفتش الاقاليم البحرية أي أقاليم الوجه البحري ، ونجح في ادارة تفتيشها وضبط كشوفاته واثار اعجاب الخديو فأرسل نموذجا من تلك الكشوفات الى كل مديريات الوجه القبلي لتكون نموذجا لضبط وتنظيم كشوفاتهم ، وتوسعت سلطات المفتش ، فمنحه الخديو اسماعيل حق فصل وتعيين المستخدمين في المديريات الواقعة في ادارته حتى منصب الوكيل ، وكان ذلك من سلطة الخديو فقط ، وصار من حق المفتش تعيين وفصل العمد ومشايخ البلاد والمأمور والناظر ، وقام بإجراءات واسعة لصالح الأهالي ، فقد أجرى الاطيان بجهات الشرقية ودمياط على الأهالى وبلا تميز ، رغم أن الأوامر السابقة كانت عدم توزيعها على الاهالي حفاظا عليها من البوار، وأهم ما قام به آنذاك أنه ضبط جميع اطيان وعقارات الأوروبيين في مصر ، إذ طلب من جميع المديريات الواقعة في نطاق تفتيشه تحرير كشوفات بما امتلكه الأجانب ، لأجل المراجعة والتأكد من موقفهم من العوائد والرسوم المقررة لمنع التهرب الذي حدث من بعضهم حفاظا على المال العام ، وكان بعض الأوربيين يقومون بانشاء كثير من وابورات حلج الأقطان دون الحصول على ترخيص من الحكومة ، ومنعهم المفتش من ذلك ، لما يترتب عليها من روائح كريهة وحرائق لقربها من المساكن وشكوى الأهالي ، ووضع شروطا للموافقة على الترخيص لهم ، وكانت شروطا تعجيزية مثل موافقة الحكومة وموافقة مفتش الهندسة وغيرها من الجهات ، وقد أتاح ذلك للمصريين إقامة وابورات الحلج .

السكة الحديد :

وعهد لاسماعيل المفتش بالأشراف على انشاء سكة حديد بنها - قليوب ومحطة كفر حمزة ، وقام بتنظيم الأمور الخاصة بعمليات السخرة ، صحيح انه لم يتم الغاء السخرة ، ولكنه وضع لها حدودا ، فلم يكن يتم تعداد السكان جيدا ، وبذا كان يحتسب المتوفين والمهاجرين ضمنهم ، مما كان يزيد عبء العمل على العمال الفعليين ، واستبعد ( أرباب الكارات والحرف والتجار واعفى خدام المساجد والكنائس والشيوخ المتقدمين في السن والأولاد الذين أعمارهم لحد عشرسنوات ، والكتاب والأنفار المخصصين للأبعاديات والأطيان ) ، وهذا يعني انه كان يضيق حدود السخرة كما أصدر امرا بأن يستبعد من السخرة كل من جاوز الأربعين من العمر .

وأهم ما قام به المفتش في تلك المرحلة أنه عمل على توطين العربان ، والقضاء على تمرداتهم وما كانوا يقومون به من نهب وسرقة ، وقتل وخطف ، بمصادرة أسلحتهم تارة وتارة يمنحهم الأراضي ، وعندما اصبح مفتشا لعموم الأقاليم خطا خطوات واسعة نحو توطين العربان ، فقرر ان يكون منحهم الأراضي الزراعية على الوجه التالي .. من تبلغ عائلته خمسة أفراد ، يمنح فدانين ويعطي لكل شيخ قبيلة من 50 الى 100 فدان ، ولعمدة القبيلة من 100 الى 150 فدان ، ويعطي لكل نفرين فدانا واحدا ، ولا يجوز لهم التصرف فيها ولا بالبيع أو الهبة أو الرهن أو الاستبدال ، ولا تسحب منهما طالما يسددان أموال الميري وملتزمين بالطاعة والنظام وترك سكني الخلاء ، وإقامة مساكن لهم مع الأهالي ، ومن يتوف منهم تعود أطيانه الى الميري وليس لورثته الحق فيها ، إذا لم يوجد من يستحقها مع معافاتهم من طلب العسكرية ، عدا السابق دخولهم العسكرية في مدد سابقة .

والمهم في هذا أن الخديو أقر رأي المفتش، فمنحهم 25 الف فدان من اطيان الميري المتروك والمستبعد من اراضي مديرية الشرقية كتلة واحدة ، وأيضا 4909 افدنة من اطيان البراري بنواحي الدقهلية ، وبذلك يكون المفتش أتم سياسة محمد علي نحو توطين البدو ، وتم القضاء على عصيان العربان وتوجيه مجهودات الحكومة الضائعة في هذا المجال نحو الاصلاح ونجح بذلك في تغيير عاداتهم الاجتامعية ، ونقلهم من حياة التنقل والترحال الى الاستقرار ولاشك ان اختلاطهم بالأهالي اكسبهم عادات جديدة ، ظهرت في استغلالهم لزراعة الأطيان وخاصة البراري والمتروك والمستبعدات ، مما أدى الى زيادة الثروة الزراعية ، ووفر ذلك مجهودات كبيرة على الحكومة بإدخالهم مجال الانتاج ، كما اهتم بصناعة الورق فأنشأ مصنعا للورق لسد حاجات الحكومة منه ، واستغنى عن الورق المستورد وأشرف على انتاج المصنع وجودته ، حتى استطاع ان يصدر الورق الى الخارج .

وتكشف الدراسة عن ان النهضة التعليمية في مصر والتي تنسب حتى اليوم الى علي مبارك هي من جهد المفتش ، فقد أنشأ المفتش 4500 مدرسة ، في عهد الخديو اسماعيل ، وحين تولى علي مبارك نظارة المعارف أو ديوان المدارس في عام 1868 ، كانت البنية الأساسية للتعليم قد أقيمت ، والواقع ان الدولة في عهد اسماعيل لم تعد تتكفل بالتعليم كما كان الحال في عهد محمد علي ، ولذا فإن المفتش شرع في جمع التبرعات والاعانات من أعيان وعمد ومشايخ البلاد على ذمة نشر التعليم في القطر المصري ، فقد أشار بإقامة وليمة بمولد السيد احمد البدوي بطنطا بحضور الخديو والامراء وانجال الخديو والأعيان ونظار الدواوين وغيرهم ، ووجه رسالته في ذلك الحشد بضرورة التبرع لنشر التعليم ، وبدأت كشوف التبرعات تتوالى من المديريات وبأرقام ليست هينة ، وبذلك استطاع ان يحدد اماكن اقامة المكاتب الاهلية والمدارس ، ولم يقف عند هذا الحد ، لكنه أسهم في نشر وطبع الكتب وتوزيعها على عموم القطر ، وبعضها كان يطبع على نفقته الخاصة ، ولم يقتصر اهتمامه بالتعليم على المسلمين فقط ، لكنه حين وجد اهتماما من بطرخانة الاقباط ، خصص خمسمئة فدان للبطرخانة ، وحصل على امر عال من الخديو بذلك وقام بتوسيع القاعدة التعليمية للأقباط .

تمصير :

واستغل المفتش سلطته في فصل وتعيين المستخدمين وغيرهم ، في التخلص من الموظفين الأتراك وقام بتعيين مصريين مكانهم ، وبهذه الطريقة تم تمصير الادارة ويذهب البعض الى ان الطبقة التركية التي تكونت في عهد محمد علي ، لم تصبح قادرة على القيام بمهامها ، ولذا كان لابد من استبدالها بمصريين وهذا ما حدث وهناك من يرى أن الخديو اسماعيل اراد تكوين طبقة من الاداريين المصريين تدين بالولاء له ، فقد كان يعلم انه سوف يصطدم بالاتراك وبالدولة العلية ، فقد كان طموحه قويا للاستقلال ، لكن الباحث لا يتحمس لهذا الرأي ، ذلك ان اصطدام اسماعيل مع الدولة العلية بدأ في عام 1869 وهو العام الذي اكتمل فيه تمصير الادارة بفضل المفتش ، وقد فسر المفتش عملية التمصير في احدى مكاتباته بأن الهدف من تعيين ابناء البلاد المصريين هو لأجل قيامهم بأشغال ابناء وطنهم والسعي لما فيه راحة ونجاح أمورهم ، ومنع التعدي والظلم الواقع على الأهالي .

كان المفتش يمثل الجانب المصري - الوطني في الدولة ، والدليل ان احمد عرابي استنجد بالمفتش وطلب الدخول معه وخدمته في العمل تجنبا للأتراك والشركس ، وقد رحب المفتش بطلبه ، والواقعة ذكرها عرابي نفسه في مذكراته .
كان المفتش معاديا للعنصر التركي ولجماعة الاتراك ، وهذا يفسر التنافس والكراهية الضارية بينه وبين محمد شريف ( باشا ) الذي كان ينحدر من اصول تركية ، ومع ذلك تثبت الوقائع انه حين ينشب صراع بين الاتراك والاجانب الاوروبيين كان المفتش ينحاز الى الجانب التركي ، وهو ما حدث اثناء بعثة ( كييف ) فقد توحدا معا لمقاومة التدخل الاجنبي في شؤون البلاد ، وحين أراد الخديو اسماعيل ارسال حملة الحبشة ، وكان هناك اقتراح بأن يتولاها ضابط أجنبي ( لورانج ) ، رجح شريف باشا ان يتولاها ضابط تركي هو راتب باشا ليكون قائدا وانحاز المفتش الى صف شريف وصار راتب هو القائد ، باختصار كان المفتش ينحاز وفقا لرؤية وطنية عملية ( براجماتية ) فهو ينحاز الى المصري في مواجهة الهيمنة التركية والشركسية ، وهو مع التركي ضد الاوروبي والاجنبي ، ومن الناحية الفكرية قد تكون هناك مآخذ على هذا الموقف ، لكنه من الناحية السياسية العملية وقياسا على ظروف ذلك العصر ووقائعه يبدو الموقف صحيحا ، وفي اختياره للمديرين كان يتابع تعاملهم مع الاهالي ، حتى لا يتعسفوا معهم ، وحدث ان شكا اهالي بسيون بالغربية من أن المأمور اعتدى عليهم بالضرب ، فقام المفتش بتعزيره ثم نقله الى قسم آخر واذا تكرر ذلك منه يتم رفته .

فصله :

وفي اول ابريل عام 1868 تولى اسماعيل صديق ، نظارة المالية واستمر بها الى 8 نوفمبر 1876 وهو تاريخ فصله من الخدمة ، وهذه المدة طويلة ، 8 سنوات ، وهي أطول فترة لناظر في نظارة المالية ، وعلى سبيل المثال فقد توالى على هذه النظارة ثلاثة نظار في خمس سنوات ، وفي فترة توليه للمالية اضيفت اليه لمدة عام نظارة الداخلية والدائرة السنية ، وأسند اليه ايضا لمدة 27 شهرا وظيفة مفتش العموم ، كما كان من اعضاء المجلس الخصوصي ، حتى سمي في ذلك الوقت ( الخديو الصغير ) ، وقد اختلف الباحثون حول توليه هذه المناصب ، هناك من عزاها الى اخوته للخديو في الرضاعة ، وهناك من ينسبها الى كفاءته وحسن ادارته ، والدليل انه استطاع تنظيم مالية البلاد .

وقد انتهى أمره بالخلاف مع الخديو والاطاحة به ، وكان العرابيون وأنصار الحركة الوطنية يرون ان الخديو ابعده لأن المفتش رفض سياسة الاستدانة ورفض الانصياع للقوى الاوروبية والتدخلات الاجنبية ، وكان رأيه ان مالية البلاد تحتمل تسديد الديون ببعض التنظيم ، لكن المهم التصدي للتدخلات الاوروبية وهو ما لم يكن الخديو اسماعيل يريده ، كان الخديو يريد ان يكسب الاوروبيين الى صفه ، فقد كان يعرف انه مقدم على صراع حقيقي مع السلطان العثماني، ولهذا ابعد المفتش .

لكن إبعاد المفتش شييء وقتله شييء آخر ، والثابت ان الخديو زاره في منزله صباح يوم الجمعة واصطحبه الى مقره بالجزيرة ، فندق ماريوت الان ، وقد حبس هناك المفتش حتى اخر النهار حيث حمل الي سفينة منفيا الى دنقلة ، وقبل حلوان تم قتله بطريقة بشعة ، فقد جذبه القاتل من خصيتيه بعنف وظل يضغط عليهما حتى لفظ انفاسه فألقي في النيل ، ولم يعثر له على جثة وليس له قبر حتى الان .

لكن أنصار الخديو قالوا انه وصل دنقلة ومن شدة السكر هناك مرض ومات ، وتقوض ذلك الرأي ، حينما اعترف القاتل فيما بعد بفعلته ، وكان المفتش قد أمسك بأسنانه بأصبع ذلك القاتل وتمكن من قطعه .

وقد توقف المحللون أمام قرار الخديو اسماعيل بقتل المفتش ، وقيل انه اضطر الى اتخاذ هذا القرار ، لقد أعفاه من منصبه ، بعد أن اصطدم المفتش بالمراقبين الاوروبيين ، ورفض اعطاءهم أسرار مالية مصر ، وتبدو هنا البيروقراطية المصرية على بشاعتها ، فحين عزل المفتش ، قرر الخديو انعقاد المجلس الخصوصي لإدانة المفتش ، وكان بالمجلس كبار المسؤولين والأمراء المصريين فحكموا بخيانة المفتش وقالوا انه كان يدبر لانقلاب على الخديو ، ولم يكن شييء من ذلك صحيحا ، لقد أراد المجلس الخصوصي محاكمة المفتش ، لكن لم ينتبهوا الى مسألة وهي ان المفتش كان يحمل النيشان من السلطان العثماني ، وبذلك لم يكن يحق للخديو ان يحاكمه داخل مصر ، بل المفروض ان يرسل الى الاستانة ليحاكم هناك ، وبالفعل ارسلت الاستانة برقية تطالب بنقل المفتش الى هناك لمحاكمته ، وتخوف الخديو اسماعيل من ذلك بشدة ، فإذا حدثت محاكمة حقيقية فإن المفتش سوف يكشف كل الاوراق وهو يعرف كل الاسرار والفضائح المالية للخديو اسماعيل ، ولو عرف السلطان ذلك فسوف يكون قد أمسك بسكين يمكنه من قطع رأس الخديو ، فقرر الاخير الاستباق وإزاحة المفتش ، وهذا ما حدث ، وعندما لم تجد الاستانة جدوى توقفت ، اما الخبر الرسمي الذي اعلن للمصريين وللسلطان فهو أن المفتش قد انتحر ، والواقع انه ( نُحر ) .  

 

 

تعليقا منها على بعض ماجاء بالمقال السابق ، ارسلت الدكتورة مروة عباس حفيدة اسماعيل باشا المفتش تصحيحا لبعض المعلومات التى وردت بالمقال السابق ، والموقع يقوم بنشر ماتفضلت وارسلته من معلومات عملا بمبدأ تصحيح ايه موضوعات قد تحتوى على بعض الاخطاء الغير مقصودة

 

ولد اسماعيل باشا المفتش فى اسيوط فى عزبة ابيه دوناللى مصطفى اغا باشا قائد بالجيش ، وقد اشترك مع الخديوى اسماعيل فى مرضعة واحدة ، ولم تكن امه فلاحة او مرضعة كما ذكر ، فقد كانت امراة راقية جدا تتحدث سبع لغات وتشغل منصب مرموق بالقصر ، وهو كبيرة وصيفات القصر ولم تكن جارية واعتقت مثل خوشيار ام الخديوى او زوجات الخديوى انفسهن الاتى لم يكن يتحدثن غير التركية لكونهن جاريات سابقات ، اما بالنسبة للقدر التعليمى لأاسماعيل المفتش ، فهو طبقا للمنطق , فهو من غير المقبول منطقيا ان يشغل رجل هذه المناصب ويسافر لاوروبا ويكون له اصدقاء هناك وهو يتحدث العربية فقط ومن المستحيلات اذا كان قد تربى مع الخديو اسماعيل الا يكون قد حظى بتعليم مماثل على الاقل ، بل بالعكس مما يقال عن اسماعيل المفتش انه كان يتقن اكثر من اربعة لغات وهو ما كان يثير غيرة الخديوى ، هذا منطقيا ، اما طبقا لما وجد عند جرد مكتبته بقصره فى لاظوغلى ، هى كتب بعدة لغات منها العربية والفرنسية والانجليزية وفى علوم مختلفة بجانب كتب فى السنة والفقه الاسلامى مما يدحض فكرة انه عين فى مناصب عدة لكونه اخو الخديو ، ولكن لكفاءته وذكائه المتناهى ، وذلك بشهادة الجميع و يقوى فكرة انه انسان مثقف و فكرة اهتمامه بالدين و العلوم الاسلامية ايضا .

 

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net