تلك
هى الصعاب التى واجهها محمد على
فذللها واحدة واحدة بعبقريته
العظيمة ، بادئا بالسعى لطبع
العمل الذى تم بالطبع الشرعى ،
اى بالسعى لحمل الباب العالى
على الاعتراف بما حدث ، وفعلا
اوفد الباب العالى رسولا الى
مصر ( صالح بك ) يحمل الفرمانات
التى تنص على تعيين ( محمد على )
قائم مقام على القاهرة ، واحتفل
بتلاوة هذه الفرمانات يوم 10
يولية ، ولكن لم يصبح ( محمد على )
الحاكم المطلق بمصر الا يوم 7
اغسطس سنة 1805 ، وهو يوم رحيل (
خسرو باشا ) من القاهرة .
كانت
الخطوة الثانية التى وجه محمد
على اليها عنايته هى القضاء على
نفوذ المماليك ، ولقد كلفته هذه
الخطوة عناءا عظيما لنفوذ
المماليك لدى الباب العالى
وتألبهم على محمد على .
حاول
الانجليز احتلال رشيد فى 29 مارس
سنة 1807 ، ولكن الحظ لعب دوره ،
فبدلا من ان يخف المماليك الى
الانضمام الى الانجليز ، اتفقوا
مع محمد على واذعن الاهلون
لسلطته ، وفشل الانجليز فى
محاولتهم وتقهقروا الى
الاسكندرية بعد ماخسروا 400 قتيل
، واسر رجال محمد على منهم مثل
هذا العدد فى معركة الحماد
المشهورة ، وفى 14 سبتمبر سنة 1807
امضيت اتفاقية بين الانجليز
ومحمد على اخلى الانجليز
بمقتضاها الاسكندرية .
واذا
كانت الحملة الانجليزية على مصر
سنة 1807 قد كلفت محمد على كثيرا
من المال والرجال ، فأن نتائجها
جاءت اسطع دليل على انه غدا صاحب
الامر والنهى فى مصر ، فوطدت
مقامه بقدر ماكشفت عن ضعف
المماليك ، وكان من نتائجها
كذلك انها كشفت للسلطان ورجاله
عن حقيقة قوة محمد على ، فقدروه
حق قدره ، واسدت الحملة
الانجليزية فائدة اخرى الى محمد
على وهى انها نبهته الى
ماللاسطول البريطانى من سلطان
على البحار ، فأخذ يفكر فى
الفائدة الاقتصادية التى
تجنيها مصر لو اصبح هذا الاسطول
صديقا لها .
فى
3 سبتمبر سنة 1811 ابحرت الحملة
التى انتخبها محمد على تحت
قيادة ابنه طوسون باشا للقضاء
على الوهابيين ، وانهزمت هذه
الحملة اولا فى ( الحديدة ) الا
ان محمد على ارسل حملة عزز بها
قوات طوسون باشا ، وما اتى شهر
نوفمبر سنة 1812 حتى كان طوسون
باشا قد استولى على ( المدينة
المنورة ) وفى اوائل سنة 1813
استولى على مكة وجدة ، واخذ
الناس يدعون للسلطان فى مساجد
الاراضى المقدسة .
فى
اواخر سنة 1812 قرر ( محمد على )
ان يسافر الى الحجاز ليتولى
القيادة بنفسه ، وليشرف على بسط
النظام فى ربوع الحجاز ، وقد ظهر
فيما بعد انه اراد كذلك خلع شريف
مكة لتواطئه مع الوهابيين ، وقد
خلعه فعلا وارسله مع اولاده
الثلاثة الى مصر ، فأقلق هذا
الاجراء بعض القبائل فثارت ،
بينما كان الوهابيون يجمعون
جموعهم استعدادا لهجوم جديد ،
فأرسل محمد على فى طلب مدد من
مصر ، فجاء هذ المدد مؤلفا من
اقوام واجناس متعددة ، ومنيت
قوته بأنكسار بجوار الطائف ،
وبعد ايام منى نجله ( طوسون )
بأنكسار اخر فى طرية ، وفقد
رجاله مدفعيتهم وامتعتهم ، وفى
تلك الظروف العصيبه توفى الامير
سعود ( ابريل سنة 1814 ) وعجز
انجاله الثلاث عن توحيد كلمتهم
، فأنتهمز ( محمد على ) هذه
الفرصه وعزز قواته واستمال اليه
رؤساء القبائل ، وتولى بنفسه
قيادة جيشه ، فهاجم الواهبيين
فى ( بسل ) وهزمهم شر هزيمة ، وعاد
محمد على الى مصر تاركا الحملة
فى يد طوسون باشا الذى لم يلبث
ان عقد صلحا مع الامير عبد الله
خليفة الامير سعود ، وبمقتضى
هذا الصلح تنازل الوهابيون عن
جميع حقوقهم على القبائل
الضاربة فى المناطق التى احتلها
محمد على ، ولم تنقض فترة قصيرة
من الزمان حتى جاءت الاخبار من
الحجاز بأن بعض القبائل العربية
تمردت بتحريض من الوهابيين ،
وكان طوسون قد توفى فى مصر فى
تلك الاثناء ، فأسند محمد على
قيادة الحملة الجديدة الى نجلة (
ابراهيم ) وكان يومئذ فى السادسة
والعشرين من عمره ، وكان قد سافر
الى الحجاز قبل والده ، وماكاد
ابراهيم يصل الى الجزيرة
العربية حتى اخذت مواهبه كقائد
تتجلى بأجلى مظاهرها ، وظل
ابراهيم يناوش الوهابيين
ويتقدم بحذر وحساب ، ويعد العدة
لهجوم حاسم ، الى ان كان شهر
سبتمبر سنة 1818 فضربهم ضربة
قاضية فى قلب بلادهم ، وارسل
عددا كبيرا من امرائهم الى مصر .
وكافأ
الباب العالى ابراهيم على هذا
الانتصار بتعيينه واليا على
الحجاز .
لم
يكد ( محمد على ) ينتهى من القضاء
على سطوة الوهابيين ، حتى فكر فى
فتح السودان لعدة اسباب ، اهمها
:
وكذلك
كان محمد على يرى ان رخاء مصر
يتوقف الى حد كبير على استيلائه
على السودان واخضاعه لسلطته ،
وبدأت حملة السودان سيرها من
القاهرة فى يولية سنة 1820 تحت
قيادة نجل محمد على الثالث (
اسماعيل ) ، والتقت وحدات هذا
الجيش فى اسوان ، وبعد مانظمت
مؤونتها وذخيرتها اجتازت
الحدود المصرية ودخلت ( دنقلة )
فهزمت قوى المماليك بسهولة ومضت
الحملة لاتلقى ايه مقاومة حتى (
كورتى ) ثم ( بربر ) فدخلتها فى
مارس سنة 1821 ، وبعد شهرين دخلت (
شندى ) ، وظل اسماعيل يتوغل فى
البلاد الى ان بلغ ملتقى
النهرين حيث تقوم اليوم مدينة (
الخرطوم ) التى انشأها محمد على
، ثم اتجه نحو النيل الازرق
واستولى على سنار .
وفى
اثناء وجود الجيش فى سنار انتشر
المرض بين الجنود ، فأضطر
اسماعيل الى طلب مدد من ابيه ،
فأرسله اليه بقيادة ابراهيم
باشا ، واتفق الاخوان على تقسيم
العمل بينهما ، فكانت مهمة
اسماعيل الزحف بجيشه على النيل
الازرق ، بينما اتجه ابراهيم
لكشف منابع النيل الابيض .
ووصل
اسماعيل فى زحفه على النيل
الازرق الى ( قرمان ) اما ابراهيم
فأكرهه مرض ( الدوسنتاريا ) على
العودة الى مصر بعدما وصل بجيشه
الى ( دنكا ) .
وفى
منتصف سنة 1822 ارسل محمد على جيشا
ثالثا بقيادة صهره ( محمد بك
الدفتردار ) لغزو ( كردفان )
فأستولى على الابيض ، وانتقم من
ملك شندى وكان قد حرق اسماعيل
وبعض صحبه فى اثناء عودتهم الى
مصر .
ومن
ذلك الوقت اخذت الفتوحات
المصرية تمتد فى جوف السودان
وعند ذلك خشى ( سولت ) قنصل
انجلترا العام فى مصر ان تشمل
الحملة فتح الحبشة ، فقابل محمد
على وافضى اليه بأن انجلترا
لاترحب بعمل كهذا ، فقال له (
محمد على ) على الفور بصراحة
تامة انه مع ان الحبشة مملؤة
ذهبا ومجوهرات ، وفتحها امر
محقق فأنه يؤثر العدول عن ذلك
حتى لاتسوء علاقته ببريطانيا .
وفى
سنة 1838 زار محمد على السودان .
وهكذا
استطاع محمد على بما اوتى من
ذكاء ودهاء وكياسة وسياسة ان
يصون وحدة مصر وان صون فى الوقت
عينه علاقاته بفرنسا وانجلترا
وان يوقف الباب العالى عند حده .
فى
عام 1820 ثارت اليونان ضد الحكم
العثمانى ، فلجأ الباب العالى
الى اقوى ولاته محمد على باشا ،
يستعين بجيشه على قمع الفتنة
باليونان ، وكان السلطان قد
ارسل اليها عام 1822 جيشا بقيادة
خورشيد باشا لم ينل غير الهزيمة
.
وفى
عام 1823 عين السلطان محمد على
واليا على جزيرة كريت مع ولايته
على مصر واصدر اليه اوامره
بأخماد ثورتها ، فأخضعها
ابراهيم باشا واحتلتها الجنود
المصرية ، وفى عام 1824 عين محمد
على واليا على بلاد الموره
لأخضاعها ، وفى منتصف يوليه من
العام المذكور اقلع الاسطول
المصرى من الاسكندرية بقيادة
الاميرالاى اسماعيل وكان مجموع
سفنه 63 ، واستأجر 36 سفينة لنقل
العدد والذخيرة ، وكان عدد
القوات البرية 17000 من المشاة ، و
700 من الخيالة واربع بطاريات
مدفعية ومدافع اخرى للقلاع
وللجبال ، وكانت هذه القوات
كلها تحت قيادة البطل ابراهيم
باشا .
تقابل
الاسطولان المصرى والعثمانى فى
جزيرة ( رودس ) واتجها الى بلاد
المورة ونزلت الجيوش قرب قلعة (
متون ) فتقهقر اليونانيون الذين
كانوا يحاصرونها .
وتقدم
الجيشان المصرى والعثمانى فى
داخل البلاد وخضعت معظم بلاد
الموره وكانت اهم معارك هذه
الحرب الاستيلاء على (
تريبولترا ) و ( مسيولونجى ) التى
قاومت رشيد باشا مدة طويلة حتى
اسقطها ابراهيم باشا ، اما
اثينا فقد فتحت ابوابها بعد
مقاومة عنيفة عام 1827 ، وقد بلغت
خسائر الجيش المصرى فى حصار (
مسيولونجى ) وحدها ستة الاف قتيل
، اما الاتراك فقد خسروا عشرين
الفا مع ذلك فقد خضعت اليونان
للجيوش المنتصرة .
ولكن
سرعان ماأتخذ الموقف شكلا جديدا
فقد تدخلت الدول الاوروبية لنقض
النتائج الفعلية التى ربحها
المنتصر بعد ان رأت تلك الدول ان
النتيجة المباشرة لذلك النصر
ستجعل شرق البحر الابيض المتوسط
بحيرة مصرية دعامتها جزيرة كريت
التى يرفرف عليها العلم المصرى
برجالة الذين يأتون اليها من
القاهرة ، وستكون لتلك الجزيرة
اهمية استراتيجية تربط سواحل
الاسكندرية وسواحل اليونان
الجنوبية بعد ان تؤول حكومتها
الى ابراهيم باشا .
فأتفقت
الدول الثلاث انجلترا وفرنسا
وروسيا على ارسال اسطول بقيادة
الاميرال كورنجتون لأيقاف
التقدم المصرى العثمانى
المشترك .
وتمكن
كورنجتون من ابرام هدنة مع
ابراهيم باشا كانت فى مصلحة
اليونان وفى الوقت ذاته كانت
تدور مفاوضات الصلح بين هذا
القائد والسلطان لمنح اليونان
استقلالها الداخلى .
فى
تلك الاثناء تمكنت بعض سفن
الدول المذكورة من دخول ميناء (
نفارين ) وكان راسيا فيها
الاسطول المصرى العثمانى .
وفى
اليوم التالى اخبر ابراهيم باشا
كورنجتون ان احد الثوار
اليونانيين يهاجم بقواته (
برتاس ) وانه مضطر الى تخليصها
من ايديهم ، فلم يقبل كورنجتون
ان يبارح ابراهيم خليج نفارين
ولو انه استطاع الافلات ببعض
سفنه تاركا معظم سفن الاسطول
بالميناء .
اصدر
( كورنجتون ) اوامره لأسطول
الحلفاء بالدخول فى الخليج
استعدادا للتحكك بالاسطول
المصرى ، وتصادف ان اقتربت احدى
السفن التركية من احدى البوارج
الانجليزية ، فأرسلت هذه زورقها
تأمرها بالابتعاد ، فجاوبتها
بتصويب نيرانها الشديدة عليه
فنشب القتال فى الحال بين
الفريقين ، واستمر حوالى ثلاث
ساعات دمر اثنائها الاسطول
المصرى العثمانى .
ولم
تختتم معركة نفارين عند هذا
الموقف ، فقد ظهر كورنجتون عند
الاسكندرية وانذر محمد على باشا
بتخريب الميناء اذا لم يخل
ابراهيم المورة .
كان
ابراهيم باشا منهمكا فى تهدئة
داخلية المورة فأصبح بعد (
نفارين ) كما كان نابليون فى مصر
بعد معركة ابو قير البحرية .
وفى
ذلك الوقت تخابرت انجلترا
وفرنسا مع محمد على بواسطة
قنصليهما فى مصر ، واتفقا معه فى
3 اغسطس سنة 1828 على سحب جيوشة
واخلاء شبه جزيرة المورة ، فأمر
الباشا ابنه بالجلاء .
وفى
اكتوبر سنة 1828 اخلى ابراهيم
باشا اليونان واحتلها
الفرنسيون ، واعترفت الدولة
العثمانية بأستقلال اليونان
عقب حرب انتصرت فيها روسيا على
العثمانيين بموجب معاهدة ادرنة
فى 14 سبتمبر 1828 .
وكانت
خسائر مصر فى اليونان فادحة فقد
بلغت القوات التى جردتها لهذه
الحرب اثنين واربعين الفا خسرت
منهم ثلاثين الفا ، وبلغت نفقات
الحملة 775 الفا من الجنيهات ،
وفقدت ايضا اسطولها الناشىء ،
ولم تنل مصر من مساعدتها للدولة
العلية سوى ان محمد على باشا ضم
اليه جزيرة كريت التى كافأه بها
السلطان محمود .
ولكن
مما نزاع فيه ان هذه الحرب قد
اكسبت مصر منزلة معنوية كبيرة
لأنها كانت اول حرب اوروبية خاض
الجيش المصرى غمارها وبرهن فيها
على كفاءته ، واثبت انه يضارع
ارقى الجيوش الاوروبية فى
ميادين القتال ، فلا غرو ان
ارتفع شأن مصر ونال جيشها شهرة
عالية بين الجيوش الاوروبية فى
ذلك الحين .
وكان
من نتائج الحرب اليونانية ان
اخذت مصر تكتسب مركزا دوليا ،
فأن الدول الاوروبية قد فاوضت
محمد على رأسا دون وساطة تركيا ،
فكسبت بالفعل مركزا ممتازا بين
الدول ، وهذا ماحدا محمد على ان
يعمل على تنفيذ فكرة الاستقلال
عن تركيا ويطمح فى الاستقلال عن
تركيا ويطمح الى الانفصال عنها
وتحقيق استقلال مصر .
ابراهيم
باشا
فكرة
طالما كانت تختلج فى نفس عاهل
مصر الاعظم محمد على باشا
الكبير منذ سنة 1810 الا وهى ضم
سوريا الى مصر ، وكان يأمل ان
يصل الى حكمها بموافقة السلطان
فى تركيا ، فقد سبق ان وعده
السلطان بالتنازل له عن بعض
الولايات تعويضا له عما خسر من
مال ورجال فى شبه جزيرة العرب
وفى رودس وقبرص وكريت وبلاد
المورة وفى السودان ، الا ان
السلطان لم يف بما وعد .
فأعتزم
محمد على ان يناله بحد السيف ،
وسرعان مانشبت حرب شعواء بين
القوات المصرية والتركية بدأت
مرحلتها الاولى فى اكتوبر عام
1831 وانتهت فى ديسمبر سنة 1832 ،
حيث عاد السلام يرفرف على
الدولتين مدى سبعة اعوام الى ان
تجددت الحرب ثانية فى عام 1839 .
بدأت
حروب الشام بأن ارسل محمد على
الى ( عبد الله باشا الجزار )
والى عكا يأمره برد المزارعين
المصريين الذين هاجروا الى
الشام فرارا من الضرائب ، فأبى
بحجة انهم من رعايا السلطان
ولهم الحرية التامة فى ان
يعيشوا فى اى جهة من املاك
الدولة .
وكان
لمحمد على فى ذمة عبد الله باشا
دينا ، فطالبه به فرفض ايضا ،
فكتب محمد على الى والى عكا
مهددا بأنه سيرسل ابنه ابراهيم
ليستخلص من المال والرجال (
وزيادة واحد ) ( يقصد بالواحد
الزيادة عبد الله نفسه ) ، ولما
شكا محمد على الى السلطان من
تصرفات والى عكا لم ينصفه .
وازاء
ذلك لم يجد محمد على مندوحة من
ان ينال بالقوة مالم ينله بمنطق
الحق ، فتحرك الجيش المصرى فى 31
اكتوبر سنة 1831 تحت امرة كوجوك
ابراهيم ( ابن اخت محمد على )
وكان مؤلفا من 30 الف جندى مزودين
بكثير من مدافع الميدان والحصار
، وسار الجيش فى ذات الطريق الذى
اتبعه نابليون عندما غزا فلسطين
وهو طريق العريش ومنها الى خان
يونس ثم الى غزة ومنها الى يافا .
وفى
2 نوفمبر سنة 1831 تحرك الاسطول
المصرى حاملا جزءا من الجيش
وكميات كبيرة من المؤن والذخائر
الحربية .
ولقد
اقل الاسطول ايضا ابراهيم باشا
واركان حربه وسليمان الفرنساوى
الى يافا .
وفى
8 نوفمبر سنة 1831 دخل المصريون
يافا ، وفى 13 نوفمبر احتلوا حيفا
، وفيها وفد اليهم زعماء قبائل
عرب نابلس وطبرية والقدس وقدموا
الطاعة .
ثم
بدا المصريون حصار ( عكا ) ذلك
الحصن الذى عجز نابليون عن
اقتحامه وارتد عنه خائبا ، وفى
اثناء ذلك اراد السلطان اثارة
الرأى العام ضد محمد على ، فألف
مجلسا كان متفى الاستانه من
اعضائه ، واعلن فى 23 ابريل سنة
1831 تمرد محمد على وعزله وتعيين
حسين باشا سردارا وواليا على
مصر بدلا من محمد على ، الا ان
قرار التمرد والعزل لم يثن محمد
على عن عزمه فواصل القتال بعزم
وبأس .
وفى
5 ابريل سنة 1831 دخل المصريون
طرابلس وكانوا من قبل احتلوا
صور وصيدا وبيروت وكانت كلها
داخلة فى ولاية عبد الله .
وكانت
اول موقعة بين المصريين
والاتراك عند قرية الزراعة (
جنوبى حمص ) ، فألتقى الاتراك
بقيادة عثمان باشا بالمصريين
فدارت الدائرة على الاتراك
وطاردهم المصريون حتى دفعوا بهم
الى نهر العاصى حيث غرق عدد عظيم
منهم .
ثم
شدد المصريون الحصار على عكا
وامطروها وابلا من القنابل
وكانت حاميتها تتألف من 6 الاف
مقاتل يقودهم ضباط اوروبيون .
وكان
سورها منيعا فقاومت مقاومة
عظيمة ولكن نتيجة ذلك ان دك
السور واقتحمه المصريون
واستولوا على القلعة بعد قتال
مروع ، واسروا عبد الله والى عكا
نفسه بعد ان دافع عنها دفاع
الابطال ، وقد ارسله ابراهيم
باشا الى مصر فأقام فى جزيرة
الروضة ذليلا حتى 22 ديسمبر سنة
1833 .
وبذلك
انتهى حصار عكا بتسليمها للجيش
المصرى بعد ان استمر ستة اشهر ،
وقد تكبد كل من الفريقين خسائر
فادحة بلغت فى الجيش المصرى 4500
قتيل وخسرت الحامية 5600 قتيل ،
وقد بلغ عدد القنابل التى
القاها المصريون على عكا 50.000
وعدد القذائف 203.000 ، على ان هذا
الفتح كان له دوى عظم تجاوب فى
الخافقين ، لأن عكا هذه قد امتنع
من قبل على نابليون من نيف
وثلاثين سنة ، وعجز عن فتحها ،
فأنتصار ابراهيم باشا فى فتحها
هو صفحة مجد وفخار للجيش المصرى
.
ابراهيم
باشا
بعد
ان استتب الامر لأبراهيم باشا
فى عكا واعاد ترميم قلاعها
وتحصينها اراح جنودة ورتب اموره
كى يمضى شمالا قاصدا فتح دمشق ،
فغادر عكا يوم 9 يونيه سنة 1832 فى
جيش مؤلف من 18.000 مقاتل ، وعند
اقترابه من دمشق اشتبك مع
القوات التركية خارج المدينة
وهزمها وفر والى الشام بجنودة ،
ولقد رحب اهل دمشق بأبرايم باشا
، فدخلها يوم 16 يونيه ، واقام
بها ثمانية عشر يوما رتب فيها
الادارة على نظام جديد .
استولى
الفزع على الباب العالى بعد ان
علم بسقوط عكا ، وكان يظن انها
سترد محمد على خائبا كما ردت
نابليون من قبله ، فلما واجهته
الحقائق خشى على مركزه ان
يتزعزع امام انتصارات المصريين
وكان قد اعلن الحرب على محمد على
وابنه فى 23 ابريل سنة 1832 ابان
حصار عكا وحشد جيشا كبيرا
بقيادة حسين باشا مؤلفا من 60 الف
مقاتل ، واعد اسطولا من 25 سفينة
للاقلاع من الدردنيل ومحاربة
الاسطول المصرى ، تقدم جيش حسين
باشا ببطء والتقى بالمصريين فى 8
يوليه سنة 1832 عند ( حمص ) ولم يلبث
ان هزم الاتراك شر هزيمة وبلغت
خسائرهم 2000 قتيل و 2500 جريح ،
وغنم المصريين كميات عظيمة من
المؤونه والذخائر وعشرين مدفعا
، ولم تتجاوز خسارة المصريين 260
من القتلى والجرحى ، وقد دلت هذه
المعركة على حسن تدريب الجيش
المصرى وتفوق قادته فى ادارة
رحى القتال ، وفى 10 يوليه سنة 1832
استولى المصريون على ( حماه ) .
بعد
هزيمة الجيش العثمانى فى حمص
ارتد شمالا نحو ( حلب ) لأتخاذها
قاعدة لعملياته ضد الجيش المصرى
، وفى خلال ذلك تقدم ابراهيم
باشا نحو حلب فأنسحب حسين باشا
شمالا الى مضيق ( بيلان ) جنوبى
الاسكندرونة وهو احد مافتيح
سوريا من الجهة الشمالية وحصن
فيها مواقعة تحصينا منيعا
وساعدتة طبيعة الارض على ذلك .
وفى
14 يولية سنة 1832 دخل الجيش المصرى
حلب واسر حاميتها البالغ عددها
الف جندى ومكث بها بضعة ايام
استراح فيها من عناء التقدم ثم
واصل ابراهيم باشا زحفه حتى صار
على مقربة من الاتراك فى ( بيلان
) .
وبعد
ان قام ابراهيم باشا بالاستكشاف
اللازم لتقرير الخطة التى
يتبعها اتضح له ان مواقع القوات
التركية منيعة وانه لاسبيل الى
مهاجمتها هجوما اماميا بل
الاصوب ان يقوم بحركة التفاف
حول ميسرة الجيش التركى .
وفى
صباح 29 يولية سنة 1832 بدأ ابراهيم
باشا فى تنفيذ خطته وقاد بنفسه
القوات التى كلفت بالقيام بحركة
الالتفاف على الجانب الايسر
للاتراك واستمر المصريون فى
زحفهم شرقا الى ان اجتازوا
مواقع الجناح الايسر للاتراك
فهاجموه من الامام والجنب هجوما
شديدا لم تصمد له القوات
التركية فأرتدت للشمال
وتعقبتها القوات المصرية ،
وبأنسحاب ميسرة الاتراك ووصول
المصريين فى تقدمهم الى طريق
بيلان نفسه تحرج مركز قلب الجيش
العثمانى ، فلم تلبث جموعه امام
هجوم المصريين ولاذوا بالفرار
وتخلوا عن مواقعهم وتشتتوا فى
الجبال .
واصاب
الجناح الايمن للاتراك مثل
مااصاب قلبهم وبذلك احتلت
القوات المصرية الخط التركى
بأكمله وانتهت المعركة بهزيمة
الجيش التركى انهزاما تاما بعد
قتال دام ثلاث ساعات فقد فيه
الاتراك 2500 بين قتيل وجريح و 2000
اسير وغنم المصريون 25 مدفعا
وكثيرا من الذخائر ، وفى اليوم
التالى اى فى 30 يوليه سنة 1832 دخل
المصريون ( بيلان ) .
واحتلت
القوات المصرية بعد ذلك
الاسكندرونة وتقدمت الفرسان
سائرة حذاء الساحل واحتلت بياس
واستسلمت ايضا انطاقية
واللاذقية والسويدية ، وبهذا تم
لمحمد على فتح سوريا من اولها
الى اخرها .
اجتاز
الجيش المصرى حدود سوريا
الشمالية بعد معركة بيلان ودخل
ولاية ( ادنه ) حيث احتل ادنه
وطرسوس واخذ ابراهيم باشا يوطد
مركزه وينظم الولايات التى
فتحها قبل ان يزحف بجيشه متقدما
، فحشد قواته فى مدينة ( ادنه )
واتخذها قاعدة لزحفه على
الاناضول وارسل بعضا من قواته
فأحتلت اورفا وعينتاب ومرعش
وقيصرية .
لم
تهن عزيمة السلطان امام الهزائم
المتتالية التى حاقت بجيوشة ،
بل لقد اعد جيشا اخر بقيادة (
محمد رشيد باشا ) وكان هذا الجيش
مكونا من 53 الف مقاتل هم خليط من
اجناس السلطنة العثمانية
لاتربطهم رابطة ولاتجمعهم غاية
.
وتقدم
رشيد باشا بجيشه هذا فى بطاح
الاناضول ليوقف زحف الجيش
المصرى وكان ابراهيم باشا قد
ارسل قواته لأحتلال مضيق ( كولك )
من مضايق طوروس ، وقد تمكنت هذه
القوات من احتلال ذلك المضيق ،
وبذلك ذللت اكبر عقبة تعترض
تقدم الجيش المصرى فى زحفه على
الاناضول .
واستمرت
القوات المصرية فى تقدمها فهزمت
الاتراك فى اولو قشلاق وهرقله ،
وبذلك فتح امامها الطريق فمضت
فى زحفها حتى بلغت ( قونية ) التى
اخلاها الاتراك من غير قتال ،
فأتخذها ابراهيم باشا قاعدة
لعملياته واخذ يتأهب لملاقاة
الجيش التركى .
فى
صبيحة يوم 20 ديسمبر وصلت الجيوش
التركية بقيادة رشيد باشا الى
قونية واخذ كل من القائدين
العمل على توزيع قواته للقتال .
وفى
اليوم التالى ( يوم المعركة ) خيم
ضباب كثيف على ميدان القتال ،
فحال دون استكشاف كل من
القائدين لمواقع الاخر ، على ان
ابراهيم باشا كان يمتاز على
رشيد باشا بأنه قد الم بطبيعة
الارض التى دار فيها القتال
الماما تاما ودرب جنوده على
العمليات بينما كان الاتراك
يعملون على غير هدى .
وهاجم
ابراهيم باشا ميسرة الجيش
التركى هجوما شديدا بمعاونة
نيران المدفعية ، فلم تصمد
القوات التركية لشدة هذا الهجوم
، وانسحبت متقهقرة شمالا فى غير
نظام ، ثم تابع المصريون تقدمهم
وتوسطوا ميدان المعركة حيث
واجهوا القوات التركية التى
اقتحمت الميدان فأحاط بهم
المصريون من كل جانب ، واصلوهم
نبيران مدفعيتهم فأضطروا
للاستسلام .
ولما
نمى الى رشيد باشا ان ميسرته قد
وقع فيها الاضطراب والفشل ،
اراد ان يلم شعثها فأسرع بنفسه
الى حيث مواقع الجند ، ولكنه لم
يفز بطائل لأنه ضل الطريق بسبب
كثافة الضباب فوقع فى ايدى
الجند المصريين الذين قادوه
اسيرا الى ابراهيم باشا .
وانتهت
المعركة بهزيمة الجيش التركى
بعد قتال دام سبع ساعات ، ولم
تزد خسارة المصريين عن 262 قتيلا
و 530 جريحا ، اما الجيش التركى
فقد اسر قائده ونحو 5000 من رجالة
من بينهم عدد كبير من الضباط
والقواد ، وقتل من جنوده 3000 ،
وغنم المصريون 46 مدفعا وعددا
كبيرا من البيارق .
ولقد
كانت معركة قونيه من المعارك
الفاصلة فى حروب مصر لانها فتحت
امام الجيش المصرى طريق
الاستانة ، اذ اصبح على مسيرة
ستة ايام من البسفور ، وكان
الطريق خاليا لايعترضه فيه جيش
ولامعقل .
ولقد
استرعت انتصارات الجيش المصرى
انظار الدول الاوروبية ، وصارت
مصر قبلة انظارها ، اذ كان مناط
امال تلك الدول اقناع محمد على
باشا بتسوية الخلاف مع تركيا
حتى لايؤدى تدخل روسيا الى ازمة
اوربية قد تنتهى بتحكيم السيف ،
ومن اجل ذلك اوفدت الدول
الاوروبية رسلها للتفاهم مع
محمد على باشا من كل صوب .
وفى
غضون ذلك تقدم ابراهيم باشا
بجيشه فأحتل كوتاهيه وصار على
خمسين فرسخا من الاستانه ، ثم
ارسل كتيبة من جنوده احتلت
مغنسيا بالقرب من ازمير ، وبعث
رسوله الى ازمير ليقيم الحكم
المصرى بها ، ولكن سفير فرنسا
تدخل فى الامر ورجاه عدم احتلال
ازمير حتى لاتتخذها روسيا ذريعة
للتدخل ، فأجابه ابراهيم باشا
الى طلبه .
ولقد
بذلت فرنسا جهودها لحسم الخلاف
بين محمد على باشا وتركيا وبعد
مفاوضات دامت اربعة ايام تم
الاتفاق على الصلح فى 8 ابريل
سنة 1833 ، وهو المعروف بأتفاق
كوتاهيه ، ويقضى بأن يتخلى
السلطان لمحمد على باشا عن
سوريا واقليم ادنه مع تثبيته
على مصر وجزيرة كريت والحجاز
مقابل ان يجلوا الجيش المصرى عن
باقى بلاد الاناضول .
وبذلك
انتهت الحرب السورية الاولى
بتوسيع نطاق الدولة المصرية
وبسط نفوذها على سوريا وادنه
وتأييد سلطتها على كريت وشبه
جزيرة العرب .
وفى
يناير سنة 1839 عقد الباب العالى
مجلسا حربيا قرر فيه اعداد حملة
من ثمانين الف جندى بقيادة (
حافظ باشا ) ، فلما كمل تجهيزها
وتعبئتها وتوزيعها بدأت القوات
الامامية منها تتحرش بالمواقع
المصرية واحتلت ستين قرية وراء (
عينتاب ) .
لم
يطق محمد على صبرا على هذا الحال
، فأذاع منشورا ارسله لجميع
الدول اعلن فيه رغبته عن الحرب
وعن عدم اقدامه على عمل عدائى
ورغبته فى الاستقلال .
ولكن
لما تفاقم الخطب خول محمد على
ابنه ابراهيم فى يونيه سنة 1839
الحق المطلق فى ان يبدأ الحرب او
يحافظ على السلم حسبما تقتضى
الظروف ، فرأى الا مندوحة من
الحرب ، وكان الجيش التركى
مؤلفا يومئذ من 38 الف جندى
بقيادة فريق من الضباط الالمان
وعلى رأسهم القائد الشهير ( فون
مولتك ) ، اما الجيش المصرى فكان
عدده اربعين الف جندى موحدين فى
القيادة وممتازين فى التدريب .
وفى
20 يونيه سنة 1839 تحرك الجيش
المصرى نحو قرية ( مزار ) فأحتلها
وانسحبت منها الحامية التركية
واتجهت لتلحق بمعسكر الجيش
التركى فى نصيبين .
وفى
اليوم التالى قام ابراهيم باشا
على رأس قوة صغيرة لأستكشاف
مواقع الاتراك فى نصيبين ومناوشتها
، وكان معسكر الاتراك منيعا جدا
ولايمكن مهاجمته من الجناحين او
بالمواجهة ، فعول على القيام
بحركة التفاف للوصول الى خلف
المواقع التركية ليضطر
المدافعين الى مغادرة المواقع
المحصنه الى اخرى ضعيفة غير
محصنة ، وفى فجر يوم 22 يونيه عاد
ابراهيم باشا بقواته الاولى
التى ناوش بها الاتراك وعبر نهر
( مزار ) الى الضفة اليمنى وسار
شرقا بموازاة النهر ، فتوهم
الاتراك انهم قهروا عدوهم الذى
بدأ يتقهقر .
واستطاع
ابراهيم باشا بسهولة تنفيذ خطته
التى اتمها بسرعة ، واجتاز نهر (
هاركون ) ، ومر خلف مواقع حافظ
باشا واضطره الى مغادرة مراكزه
الحصينة فى ( نصيبين ) وتغيير
وجهة جيشه ، وانقضى نهار 23 يونيه
بينما كان يتأهب الجيش الى
اللقاء فى اليوم التالى .
وفى
فجر اليوم الرابع والعشرين اتخذ
الجيشان مواقعهما ، وفى الساعة
الثامنه صباحا بدأت المعركة
بنيران المدفعية من الجانبين ثم
ابتدأ القتال ولم يستطع الاتراك
صد الهجوم المصرى القوى ،
فلجأوا الى الفرار تاركين
اسلحتهم وذخيرتهم واحتل
المصريون مواقعهم واستولوا على
جميع مهامتهم ومن بينها حوالى
عشرين الف بندقية ومائة واربعين
مدفعا بذخيرتها ، وبلغت خسائر
الاتراك نحو اربعة الاف
وخمسمائة قتيل وجريح واسر منهم
مابين اثنى عشر الف وخمسة عشر
الف رجل ، وترك الجيش العثمانى
خزينته وبها نحو ستة ملايين
فرنك ومضاربه بأكملها ، اما
خسائر الجيش المصرى فبلغت نحو
ثلاث الاف بين قتيل وجريح .
وفى
اول يوليه سنة 1839 توفى السلطان
محمود قبلما يبلغه خبر هزيمة
جيشه فى ( نصيبين ) فمات فى الوقت
الملائم .
ولقد
سبب انتصار الجيش المصرى فى هذه
المعركة تدخل الدول الاوربية
التى سرعان ماعقدت معاهدة (
لندره ) ، بين انجلترا وروسيا
والنمسا وبروسيا وتركيا فى 15
يوليه سنة 1840 ، وكانت هذه
المعاهدة سببا فى بدء دسائس
كثيرة سببت اخلاء الجيش المصرى
لسوريا فى ديسمبر سنة 1840 .
خريطة
توضح توسعات محمد على ودولته
عام 1840 بالاضافة الى حملاته
مابين عام 1831 وعام 1833
مصدر
المقال : مجلة المدفعية الملكية
- الصادرة فى 19 نوفمبر سنة 1949
بقلم
البكباشى أ.ح : ابراهيم فؤاد شرف
|