سعد والنحاس وسراج الدين .. دروس فى الزعامة الوطنية
اعداد
: مصطفي عبيد -أحمد السكري-صلاح
شرابي
الأثنين
, 22 أغسطس 2011 21:19
إذا
كانت مصر تمر في هذه الأيام
بمرحلة عصيبة في تاريخها فان
ذلك قد يكون أدعي ما يكون
لاستلهام الثبات من تاريخها
النضالي الذي أثبت المصريون
علي مداره أنهم قادرون بحق علي
مواجهة المحن ، وفي ذكري وفاة
الزعماء الراحلين سعد غلول
ومصطفي النحاس وفؤاد سراج الدين
، فقد يكون في سيرتهم ما يلهم
بالكثير للمواصلة علي خطاهم
والاقتداء بتاريخهم في الكفاح
من اجل نهضة بلدهم ، والكتابة
عنهم هنا ليس بمنطق ذكر المآثر -
وإن كان ذلك واجبا - وإنما بمنطق
استخلاص عبر ودروس التاريخ ،
فمع بعض الفروقات ، تكاد مسيرة
الاوضاع تنطق بأنه ما أشبه
الليلة بالبارحة حيث يعيش
المصريون اجواء استنفار تتشابه
في الكثير من جوانبها جعلت
البعض يعتبر ان ثورة يناير تمثل
الثورة الثانية الحقيقية في
التاريخ المصري الحديث بعد ثورة
1919.
وإذا كان القدر قد جعل أوجه
التشابه في الظروف والطبائع
التي جمعت بين الزعماء الثلاثة
عديدة وفاتهم في ذات الشهر حيث
توفي سعد زغلول في 23 أغسطس 1927
وتوفي الثاني في 23 اغسطس 1965 فيما
توفي فؤاد سراج الدين في التاسع
من أغسطس عام 2000 .
وقد
لا يملك المرء في معرض الاشارة
الي فرادة زعامة سعد افضل مما
ذكره المؤرخ عبد الرحمن الرافعي
بقوله «ان الامة وضعت في سعد
ثقتها المطلقة وتأكدت زعامته
بشكل غير مسبوق من قبل ان يكون
له أي منصب رسمي أو سلطان الا
سلطان المحبة في القلوب» .
أما
مصطفي النحاس فكان علي ما تتفق
المصادر ، رسولاً للوطنية
ونبياً للحرية وخاض معارك
نضالية للدفاع عن الدستور ،
واستقلال الارادة الوطنية فضل
طوال 25 عاما يكافح من اجل
الاستقلال والدستور والوحدة
بين مصر والسودان صامداً أمام
البطش والطغيان والفساد، فيما
تؤكد اغلب الكتابات علي دور
سراج الدين الرائع في احياء
سيرة الوفد ووقوفه في وجه
الفساد .
في
سطور هذا «الملف الخاص» إطلالة
علي سيرة الزعماء الثلاثة ففي
التاريخ دروس وعبر محاولين
تقديم رؤية بانورامية لمسيرة
نضالهم في مرحلة حرجة من تاريخ
مصر وملامح من المعاناة التي
كابدوها من اجل استقلال ونهضة
مصر.. الامر الذي لا شك انه اصبح
علي رأس أولويات المرحلة التي
نعيشها .
فيما
بعد ثورة يناير .. بعد حكم تواصل
30 عاما بات من بين التصورات
العامة بشأنه انه جعل هذا
الاستقلال وهذه النهضة في خلفية
اهتماماته .
حياة
سعد.. قصة زعيم وطني أفني عمره في
محاولة النهوض بأمته
نموذج خاص للزعامة أشعل اعتقاله
أول ثورة في مصر الحديثة
وُلد
سعد زغلول عام 1858 في قرية «أبيانة»
مركز فوة التابعة وقتذاك
لمديرية الغربية، وكان والده
الشيخ ابراهيم زغلول ورئيس
مشيخة القرية أي عمدتها ، أما
والدته فهي السيدة مريم بنت
الشيخ عبده بركات أحد كبار
الملاك، وخاله الذي كفله هو
عبدالله بركات والد فتح الله
بركات .
بدأ
تعليمه كمعظم المصريين في الصغر
في الكتاب حيث تعلم القراءة
والكتابة وحفظ القرآن الكريم
، الامر الذي
اسهم في إجادته لفنون الخطابة
، ثم توفي والده
وهو في الخامسة من عمره
، فتعهد خاله
بتربيته
، وبعد الانتهاء
من تعليم القرآن الكريم ومبادئ
الحساب في الكتاب وفي عام 1870
التحق بالجامع الدسوقي لكي يتم
تجويد القرآن، ثم التحق بالازهر
عام 1873 ليتلقي علوم الدين
، وتتلمذ علي يد
المصلح الديني الكبير الشيخ
الامام محمد عبده فشب بين يديه
كاتباً خطيباً
، اديباً
سياسياً، وطنيا
ً، اذ كان صديقا
له رغم السنوات العشر التي كانت
تفصل بينهما في العمر.
الحياة
العملية :
عمل
سعد في «الوقائع المصرية» حيث
كان ينقد احكام المجالس الملغاة
ويلخصها ويعقب عليها ، ورأت
وزارة البارودي ضرورة نقله الي
وظيفة معاون بنظارة الداخلية
ومن هنا تفتحت امامه ابواب
الدفاع القانوني والدراسة
القانونية ، وأبواب الدفاع
السياسي والأعمال السياسية ،
ولم يلبث علي الاشتغال بها حتي
ظهرت كفاءته ومن ثم تم نقله الي
وظيفة ناظر قلم الدعاوي بمديرية
الجيزة .
وشارك
في الثورة العرابية وحرر مقالات
ضد الاستعمار الانجليزي ، حض
فيها علي الثورة ودعا للتصدي
لسلطة الخديو توفيق التي كانت
منحازة الي الانجليز وعليه فقد
وظيفته .
ومارس
زغلول المحاماة تسع سنوات فأبدع
ولمع اسمه وعظم شأنه في أوساط
القضاء ، وكان يدافع عن الفقراء
بغير جزاء ، وفي عام 1892 عين في
وظيفة نائب قاض في محكمة
الاستئناف فكان اول محام في مصر
يعين قاضيا وبقي في القضاء اربع
عشرة سنة .
عينته
السلطات البريطانية الحاكمة في
مصر آنذاك وزيراً للمعارف في
نوفمبر 1906
، وبقي فيها اربع سنوات وضع
خلالها الاساس الراسخ الصحيح
لنهضة التعليم الوطنية وجعل
اللغة العربية لغة التعليم
بدلاً من اللغة الانجليزية
وأكثر من دور المعلمين ومكاتب
القري وفتح باب المجانية لتعليم
الفقراء وأنشأ مدرسة القضاء
الشرعي .
انتقل
سعد زغلول في فبراير 1910 الي
الحقانية حيث عُين ناظراً
للحقانية «أي وزيراً للعدل»
فعمد الي اصلاح القضاء وعزز
كرامته وأنشأ نقابة للمحامين .
برز
سعد زغلول كزعيم للأمة المصرية
مع انتهاء الحرب العالمية
الاولي ، إذ طالب بتشكيل وفد من
المصريين لحضور مؤتمر الصلح في
باريس لعرض قضية استقلال مصر ،
فرفضت سلطات الاحتلال
البريطاني ذلك واعتقلته ونفته
في 8 مارس 1919 الي خارج البلاد - في
جزيرة مالطا - وكان ذلك سبباً في
اشعال ثورة 1919 .
ففي
اليوم التالي لاعتقال سعد زغلول
وأعضاء الوفد ، أشعل طلبة
الجامعة في القاهرة شرارة
التظاهرات ، وفي غضون يومين ،
إمتد نطاق الاحتجاجات ليشمل
جميع الطلبة بمن فهيم طلبة
الازهر ، وبعد ايام قليلة كانت
الثورة قد اندلعت في جميع
الانحاء من قري ومدن ، ففي
القاهرة قام عمال الترام بإضراب
مطالبين بزيادة الاجور وتخفيض
ساعات العمل وتخفيف لائحة
الجزاءات والحصول علي مكافأة
لنهاية الخدمة وغيرها من
المطالب ، وفشلت محاولات
السلطات الاستعانة بعمال
سابقين لتشغيل الخدمة ، وتم شل
حركة الترام شللا كاملاً ، تلا
ذلك اضراب عمال السكك الحديدية
، والذي جاء عقب قيام السلطات
البريطانية بالحاق بعض الجنود
للتدريب بورش العنابر في بولاق
للحلول محل العمال المصريين في
حالة إضرابهم ، مما عجل بقرار
العمال بالمشاركة في الاحداث ،
ولم يكتف هؤلاء باعلان الاضراب
بل قاموا باتلاف محولات حركة
القطارات وابتكروا عملية قطع
خطوط السكك الحديدية ، واضرب
سائقو التاكسي وعمال البريد
والكهرباء والجمارك ، تلا ذلك
اضراب عمال المطابع وعمال
الفنارات والورش الحكومية
ومصلحة الجمارك بالاسكندرية ،
وكان ملحوظاً الارتباط الوثيق
بين مشاركة العمال في الحركة
وبين المطالب النقابية في
العديد من حالات الاضراب وهو ما
حدث في حالة إضراب عمال ترام
الاسكندرية ومصلحة الجمارك
والبريد ، حيث سبق الاضراب رفع
هؤلاء العمال مطالب بزيادة
الاجور وتحسين شروط العمل ، ولم
تتوقف احتجاجات المدن علي
التظاهرات وإضرابات العمال ، بل
قام السكان في الأحياء الفقيرة
بحفر الخنادق لمواجهة القوات
البريطانية وقوات الشرطة ،
وقامت الجماهير بالاعتداء علي
بعض المحلات التجارية وممتلكات
الاجانب وتدمير مركبات الترام .
وتعد
ثورة 1919 أول ثورة شعبية بعد
الحرب العالمية الاولي حيث
أجبرت الثورة الشعبية الاحتلال
الانجليزي علي الإفراج عن سعد
وصحبه ، فانتقلوا من مالطا الي
المغرب ومنه الي اوروبا ودعتهم
السلطات البريطانية الي لندن
للتفاوض ، لكن الوفد المصري
برئاسة زغلول طلب أولاً الغاء
الحماية البريطانية علي مصر ثم
بدء المفاوضات .
عاد
سعد زغلول ورفاقه الي مصر بعد
رفض لندن طلبهم واعلنوا فور
وصولهم الي ميناء الاسكندرية
انهم عازمون علي متابعة النضال
لتحقيق الاستقلال المصري ، فما
كان من السلطات البريطانية إلا
ان قررت نفي زغلول الي منزله في
الريف ، ثم اقتادوه الي منفاه
الجديد في عدن في عام 1922 وشاركه
في هذا المنفي مصطفي النحاس
ومكرم عبيد وعاطف بركات وفتح
الله بركات غير ان زمن المنفي لم
يطل .
فبعد
اقل من شهرين نُقل زغلول ورفاقه
الي جزر سيشل ومنها الي جبل طارق
، فما كان من نواب العمال
والاحرار في مجلس النواب
البريطاني الا أن ثاروا علي هذا
الاعتقال فاضطرت الحكومة الي
الإفراج عن سعد ورفاقه فعادوا
الي مصر في سبتمبر 1923 .
تولي
زغلول الحكم في مصر بعد انتصار
ساحق في الانتخابات التي جرت
سنة 1924 ، ودعيت حكومته «وزارة
الشعب» وكانت أول حكومة دستورية
مصرية تستمد قوتها من إرادة
الشعب ، غير ان عمر هذه الحكومة
لم يطل اكثر من تسعة اشهر اذ
عادت السلطات البريطانية الي
التشدد في معارضتها وتعرض زغلول
في هذه الاثناء الي محاولة
اغتيال فأصيب برصاصة في صدره ،
ثم جرت انتخابات جديدة فاز فيها
حزب زغلول بأكثرية المقاعد
وأصبح يسمي بحزب الوفد وانتخب
سعد زغلول رئيسا لمجلس النواب .
وفاة
سعد :
توفي
زعيم الامة سعد زغلول 23 اغسطس 1927
، ودفن في ضريح سعد الذي شيده
عام 1931 ليدفن فيه زعيم الامة
وقائد ثورة 1919 ضد الاحتلال
الانجليزي ، فضلت حكومة عبد
الخالق ثروت وأعضاء حزب الوفد
الطراز الفرعوني للضريح حتي
تتاح الفرصة لكافة المصريين
والاجانب ولا يصطبغ الضريح
بصبغة دينية يعوق محبي الزعيم
المسيحيين والاجانب من زيارته .
وعقب
وفاة زعيم الوفد سعد زغلول أيدت
الهيئة الوفدية مصطفي النحاس
خليفة له ، كان هذا في عهد الملك
فؤاد ، وفي اكتوبر سافر عبد
الخالق ثروت الي لندن لاستكمال
المفاوضات ثم عاد لافتتاح
البرلمان في دورته الجديدة في 17
نوفمبر ، وألقي خطاب العرش
واختير مصطفي النحاس خلفاً لسعد
زغلول رئيسا للبرلمان .
وفي
4 مارس من عام 1928 تصورت بريطانيا
أنه بوفاة راعي هذه المفاوضات «سعد
باشا» زالت العقبة الكؤود في
إبرام أي معاهدة مع مصر فطلبوا
من عبد الخالق ثروت أن يمضي في
إبرام المعاهدة ، ورفض النحاس
الاتفاق وكذلك مجلس الوزراء ،
وقالوا إن المعاهدة لا تتفق
واستقلال البلاد وسياستها ،
وتجعل الاحتلال شرعيا ، ورأي
ثروت ان مهمته انتهت فقدم
استقالته .
ومن
اسهاماته علي الصعيد العملي
تأسيس الجامعة المصرية فبعد
انتهاء مؤتمر الصلح بحوالي
سنتين ، أسس سعد زغلول وأحمد
لطفي السيد وزملاؤهم الجامعة
المصرية ، وكان النص الأول من
شروط انشائها هو : ألا تختص بجنس
أو دين بل تكون لجميع سكان مصر
علي اختلاف جنسياتهم وأديانهم
فتكون واسطة للألفة بينهم ، كما
شارك في تأسيس نقابة المحامين .
«سعد»
و«النحاس» في الأدب المصري
الحديث
الفن
هو مرآة الشعوب ، هو الأبقي
والأرقي والأقرب تصديقا لدي
العامة ، وليس ادل علي ذلك أن
شخصية «قراقوش» ارتبطت في اذهان
العامة بالظلم والطغيان بسبب
كتاب فكاهي كتبه ابن مماتي
للسخرية من ذلك الرجل الذي لم
يكن سوي وزير لصلاح الدين
الأيوبي في مصر !
ولا
شك أن الادب والفن المصري قد
عنيا بتاريخ الوفد ورجاله
باعتباره التاريخ الحقيقي لمصر
الحرة المناضلة ، وقد اهتم كبار
الادباء والروائيين بتسجيل
عظمة زعيمي الوفد الجليلين سعد
زغلول ومصطفي النحاس حتي اننا
لا نكاد نلمح رواية تحكي حقبة
تاريخية معينة لا تنقل لنا
مكانة كلا الرجلين لدي المصريين
.
ان
دراسة جادة كتبها الباحث
المتميز مصطفي بيومي وصدرت قبل
سنوات في كتاب يحمل عنوان «سعد
زغلول في الأدب المصري» تكشف
المكانة الرفيعة التي حظي بها
سعد زغلول في الادب الحديث ، ان
توفيق الحكيم مثلاً يقدم لنا
رواية رائعة عن ثورة 1919 هي «عودة
الروح» يتحدث فيها عن الزعيم
الذي يحتاجه المصريون لينفضوا
عن كواهلهم عبء الصبر الطويل
علي ما لا يرضونه من مظالم ،
ويقول بطل الرواية عن سعد زغلول
: انه ليس زعيما تقليديا يمكن
توقعه وانتظاره ولكنه دفقة من
الإلهام والعطاء المباغت ، وهو
أيضا الرمز المنتظر لتحقيق
أحلام الحرية والحياة .
أما
يحيي حقي ، فيرصد مقدمات ثورة 1919
في أكثر من رواية وقصة ربما
ابرزها قصة «ذكريات ذكان» ، وفي
سيرته الذاتية لا يخفي «حقي»
ولعه بالحب الوطني وبمصطفي كامل
ومع ذلك فهو يري ان ثورة 1919
العظيمة ما كان لها ان تقوم دون
قائد وزعيم حقيقي مثل سعد زغلول
.
ويحظي
سعد زغلول باهتمام كبير في أدب
نجيب محفوظ فهو المثال الاقرب
للزعيم الكامل ، ان سعد زغلول
يكاد ان يكون «مقدساً» في
روايات نجيب محفوظ، عاش بعد
موته بينما كثيرون ماتوا وهم
احياء ، ان مصطفي بيومي يرصد
دفاع محفوظ عن سعد زغلول في
رواية «أمام العرش» عندما يسأل
عن اسباب عدم التحاقه بالحزب
الوطني في زمن مصطفي كامل وعمله
بالوزارة في ظل الاحتلال فيقول :
«ان الحزب الوطني كان يدعو الي
مبادئ خيالية مثل «لا مفاوضة
الا بعد الجلاء» ، مما يعني بقاء
الاحتلال الي الابد ، ومقاطعة
وظائف الدولة العامة مما يعني
هيمنة الانجليز عليها» ، ثم
يقول : «ولقد قبلت الحياة
الرسمية لأمارس من خلالها ما
استطيع من مقاومة ومن خدمات
للوطن» .
ويحضر
سعد زغلول بقوة مع باقي روايات
محفوظ ، ففي الثلاثية نجده
الزعيم المحبوب الذي يحبه
الجيمع ويسيرون ورائه وعلي لسان
«فهمي» في «بين القصرين» ، فان
ما قام به سعد زغلول قبل ثورة 1919
عمل مجيد لا يوجد من ينهض به
مثله بعد نفي محمد فريد» ، وفي
نفس الروايات يأتي النص الكامل
لتوكيل سعد وزميليه للحديث باسم
مصر ، ثم نجد فهمي ابن السيد
احمد عبد الجواد شغوفا بكل ما
يقوله «سعد» حتي انه يملي علي
شقيقه الاصغر كمال خطبة سعد
باشا في جمعية الاقتصاد
والتشريع ومنها «اعلنت انجلترا
حمايتها علي مصر من نفسها دون ان
تطلبها الامة المصرية او تقبلها
لذا فهي حماية باطلة لا وجود لها
قانوناً»، وتتابع احداث الثورة
في بين القصرين وينضم اليها «فهمي»
وتتكرر الاضرابات وتتعدد
المظاهرات ويسقط الشهداء
وتسارع انجلترا الي الافراج عن
سعد فيقول فهمي : «لو لم يسلم
الانجليز بمطالبنا لما أفرجوا
عن سعد، سيذهب الي اوروبا ويعود
بالاستقلال» ، وعندما يتحدث «فهمي»
مع والدته «أمينة» فتقول له «أين
الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
كان الله يعينه بالملائكة علي
الكفار ، فيرد «فهمي» قائلا «سيعمل
سعد زغلول ما كانت الملائكة
تعمله» .
وفي
«قصر الشرق» يظهر كمال عبد
الجواد كمحب عظيم لسعد زغلول
ويرد علي لسانه «أنه ليس في مصر
من يتكلم باسمها الا سعد ، وأن
التفاف الامة حوله جدير في
النهاية بأن يبلغ بها ما ترجوه
من آمال» وفي «حكايات حارتنا»
ينقل الراوي عن الطفل الي ابيه
ما يردده الناس عن اسم سعد الذي
كان منقوشا علي البيض بعد خروجه
من الدجاج .
وفي
«أمام العرش» يلتقي سعد زغلول
بجمال عبد الناصر فيقول سعد له :
لقد حاولت ان تمحو اسمي كما محوت
اسم مصر !
اما
إحسان عبد القدوس فتظهر صفة
الوطنية المتعلقة لصيقة بسعد
زغلول في كثير من رواياته ،
فمثلاً في رواية «في بيتنا رجل»
يقول زاهر افندي : زمان كان في
قائد ، كان في سعد باشا زغلول ،
دلوقتي مين يفاوض الانجليز
ويحقق الاستقلال ! .
وفي
مسرحية «الدراجة الحمراء»
يعتبر احسان فترتين في تاريخ
مصر خرجت فيهما علي اطار
السلبية هما عهدي احمس وسعد
زغلول .
وفي
رواية «الراقصة والسياسي»
تتحدث الراقصة في أسي عن زعماء
مصر المنسيين الذين تم تشويههم
مثل سعد زغلول .
ويعد
عبد الرحمن الشرقاوي افضل نموذج
أدبي معبر عن عظمة شخصية سعد
ونجد في احدي رواياته احد
الأشخاص يبرر سجنه بأنه ليس
عيبا فسعد زغلول نفسه اتحبس .
وفي
روايته «الشوارع الخلفية» يعود
سعد زغلول رمزاً للنضال ضد
الاستبداد لدي الطلبة ، ويقترب
اكثر من شخصية سعد زغلول في
رواية «الأرض» حيث يمثل النضال
الحقيقي ضد الظلم والاستبداد .
اما
يوسف ادريس فيتحدث ابطاله بلسان
سعد زغلول القدوة فيقول احدهم «أنا
زي ما قال سعد باشا انتهيت» .
ولا
يغيب مصطفي النحاس باشا عن ادب
نجيب محفوظ فهو قدوته ونموذجه
الانبل في السياسة والوطنية لذا
فانه يؤرخ لميلاد بعض ابطاله
بيوم اقالة حكومة الوفد، وفي
رواية «امام العرش» يدافع
النحاس عن توقيعه لمعاهدة 1936
والغائه لها بتقلبات الظروف
وبالفرص المتاحة ، ويبدو ذلك
منطقيا ، وفي «الباقي من الزمن
ساعة» ، يظهر تأثر محفوظ بحكومة
الوفد عندما يقول احد ابطاله «انتهت
اللعنات وسوف يحكم الوفد الي
الابد» فيربط بذلك بين الوفد
وغياب اللعنات !
وفي
«المرايا» يهتز رضا حمادة طربا
يوم الغاء معاهدة 1936 ويشعر ان
نسيم 1919 يرفرف علي مصر ، ويعلق
ايضا حامد برهان في «الباقي من
الزمن ساعة» علي قرار الغاء
المعاهدة بقوله «لا يقدر علي
الغائها الا من عقدها فالوفد
وحده» .
وتتناول
كتابات «محفوظ» حادث 4 فبراير
عام 1942 فيورد دفاعا مقنعا في
رواية «قصر الشوق» علي لسان
كمال عبد الجواد ورياض قلدس منه
«ان النحاس ليس بالرجل الذي
يتآمر مع الانجليز في سبيل
العودة الي الحكم ، إن احمد ماهر
مجنون ، هو الذي خان الشعب وانضم
الي الملك ثم اراد ان يغطي مركزه
بتصريحه الاحمق» ، وفي «المرايا»
يقول الراوي عن النحاس في وقت
حادث 4 فبراير انه «انقذ الوطن
والعرش» ويقول اسماعيل قدري في
«قشتمر» مدافعاً عن زعيم الوفد
قائلا: «لا تشكوا في الوفد وشكوا
فيما شئتم» .
وتعدد
رواية «امام العرش» انجازات
مصطفي النحاس وحكومات الوفد قبل
23 يوليو ومن أهمها : الغاء
الامتيازات الاجنبية تأسيس
جامعة الدول العربية ، استقلال
القضاء والجامعات ، الاعتراف
بنقابات العمال ، مجانية
التعليم الابتدائي والإعدادي
والثانوي .
اما
علاء الاسواني فيكتب قصة مشوقة
عن النحاس بعنوان «جمعية منتظري
الزعيم» يصور الرجل فيها
كأسطورة لا تتكرر ويتوق الناس
لعودته مرة اخري للحياة لحل
مشكلاتها وهمومها .
من
مفارقات التاريخ والقدر
ملايين
المصريين ملأوا ميدان التحرير
لوداع النحاس في 1965 ، واحتشدوا
بالميدان ذاته لإسقاط مبارك في
2011
المكان
واحد ، لكن التاريخ والشخصية
مختلفان ، ففي 25 يناير 2011 خرج
ملايين المصريين الي ميدان
التحرير لانتزاع حريتهم من نظام
فاسد كبت علي انفاسهم 30 عاما ،
كان الظلم والفساد هما عنوان
البلاد لذلك كان الهتاف «الشعب
يريد اسقاط النظام» موحداً ضد
الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي
يحاكم الآن في عدة قضايا أهمها
قتل المتظاهرين أثناء الثورة .
وفي
23 أغسطس عام 1965 امتلأ ميدان
التحرير ايضا بالملايين ولكن
لوداع زعيم الامة مصطفي النحاس
باشا بعد أن افني حياته وسخر
طاقاته في خدمة الوطن ضد
الاحتلال الاجنبي مستمداً قوته
من جموع الشعب المصري ليكون
ميدان التحرير شاهدا علي جنازة
زعيم الامة التي خرجت من مسجد
عمر مكرم دون ان يحدد الرائي
نهايتها لما للنحاس من مكانة في
نفوس المصريين .
في
هذه الأيام من شهر اغسطس تمر
الذكري الـ 45 علي رحيل النحاس
باشا الرجل المناضل الذي شرب من
كأس الوطنية فرفض النيل من
كرامة وطنه لصالح الانجليز
متخذاً من سنوات عمره طريقا
للسير نحو بناء دولة ديمقراطية
مستقلة .
ولد
مصطفي محمد سالم النحاس «مصطفي
النحاس باشا» عام 1876 في مركز
سمنود بمحافظة الغربية ، والتحق
بمدرسة الناصرية ثم الخديوية
وتخرج في كلية الحقوق وعين
قاضيا بالمحاكم الأهلية وخدم
بالسلك القضائي .
ابرز
زعماء القرن ال 20 :
ويعتبر
مصطفي النحاس احد زعماء القرن
العشرين فهو من ابرز السياسيين
المصريين في تلك الفترة ، وتولي
منصب رئيس وزراء مصر خمس مرات في
الفترة ما بين 1929 و1952 وكان رئيسا
لمجلس الامة «الشعب حالياً»
وكما يعرف الجميع فهو من مؤسسي
حزب الوفد مع الزعيم سعد باشا
زغلول الذين عبروا عن نبض
الشارع المصري خلال ثورة 1919 .
وأشرف
النحاس مع بعض اصحابه علي حركة
الاضراب اثناء ثورة 1919 ، عندما
كان قاضيا ، وللعلم فان النحاس
عين قاضيا في سن الـ 24 وكان لأول
مرة يتم تعيين محام في القضاء
وهي ظاهرة جديدة وقتئذ ليصبح
المحامي الوحيد الذي عين قاضيا
ولم يكن قد مضي علي ادراج اسمه
في المحاماة سوي ثلاث سنين .
وكان
النحاس زعيماً للأمة ورئيساً
للوفد في الفترة من 1927 حتي 1952
بعد أن تم حل الاحزاب كما ساهم
في تأسيس جامعة الدول العربية .
وقد
تعاظم دور مصطفي النحاس النضالي
والسياسي مع اشتعال ثورة 1936 - 1936
في فلسطين حيث قام بتأسيس
اللجنة العربية العليا كمحاولة
لتهدئة الاوضاع في المنطقة وكان
مسئولا عن المعاهدة المصرية
البريطانية عام 1936 الا انه
ألغاها لاحقا ، الأمر الذي اشعل
مقاومة للانجليز مما ادي الي حل
وزارته في يناير 1952 وبعد يوليو
1952 اعتقل النحاس وتم سجنه ومعه
زوجته السيدة زينب الوكيل من
عام 1953 - 1954 ثم تقاعد عن الحياة
العامة .
معاهدة
1936 وموقف النحاس :
وقعت
في 26 اغسطس عندما صدر بيان
الحكومة برئاسة مصطفي النحاس
بوفاة الملك فؤاد وارتقاء فاروق
العرش ثم تعيين مجلس وصاية
نظراً لصغر سنه ثم شكل حزب الوفد
الوزارة بعد فوزه في الانتخابات
البرلمانية وطالب باجراء
مفاوضات مع بريطانيا بشأن
التحفظات الاربعة ، ولكن
الحكومة البريطانية تهربت
فقامت الثورات وتألفت جبهة
وطنية لاعادة دستور 1923 بدلاً من
دستور 1930 ولذلك اضطرت بريطانيا
للتراجع والدخول في مفاوضات
بقيادة السير مايلز لامبسون
المندوب السامي البريطاني
ومعاونيه وهيئة المفاوضات
المصرية وبالفعل بدأت في قصر
الزعفران في 2 مارس وانتهت بوضع
معاهدة 1936 في لندن .
إلغاء
المعاهدة :
وعلي
الرغم من الايجابيات التي حوتها
المعاهدة والاعتراف باستقلال
مصر فإنها لم تحقق الاستقلال
المطلوب حيث حوت في طياتها بعض
انواع السيادة البريطانية ومن
ذلك انها ألزمت مصر بتقديم
المساعدات في حالة الحرب وانشاء
الثكنات التي فرضت أعباء مالية
جسيمة مما ساهم في تأخر الجيش
المصري واعداده ليكون اداة
صالحة للدفاع عنها كما انه
بموجب هذه المعاهدة يصبح
السودان مستعمرة بريطانية
يحرسها جنود مصريون .
وبناء
عليه طالب وزارة النحاس في مارس
1950 بالدخول في مفاوضات جديدة مع
الحكومة البريطانية واستمرت
هذه المفاوضات 9 أشهر ظهر فيها
تشدد الجانب البريطاني مما جعل
النحاس يعلن عن قطع المفاوضات
والغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي
السودان وقدم للبرلمان مراسيم
تتضمن مشروعات القوانين
المتضمنة هذا الالغاء فصدق
عليها البرلمان .
وصدرت
القوانين التي تؤكد الالغاء
الذي نتج عنه الغاء التحالف بين
بريطانيا ومصر واعتبرت القوات
الموجودة في منطقة القناة قوات
محتلة ومن هنا بدأ النضال يشتعل
مرة أخري ولكن هذه المرة نضال حر
مسلح، وقال النحاس عبارته
الشهيرة «من اجل مصر عقدت
المعاهدة ومن أجلها نلغيها» .
محاولات
الاغتيال :
وقد
تعرض الزعيم النحاس لمحاولات
اغتيال عديدة وفي عام 1938 وقعت
المحاولة الثالثة للاعتداء علي
الزعيم مصطفي النحاس بوضع
متفجرات في موتور سيارته،
فاكتشف امرها وتم ابعادها ونجا
الزعيم مصطفي النحاس برعاية
الله .
ومما
يذكره الكاتب والمؤرخ جمال بدوي
في تقديمه لكتاب «مصطفي النحاس
الزعامة والزعيم» تأليف عباس
حافظ نصا : «كنا نسمع عن السيارة
الملغومة التي تفجرت تحت غرفة
نومه في جاردن سيتي ، وكيف
تناثرت شظايا حتي ان رفرف
السيارة اخترق النافذة
كالصاروخ وتعلق في الناموسية
المدلاة فوق سريره ، ولكن
الناموسية المصنوعة من نسيج هش
لمقاومة الناموس ، تحولت بقدرة
الله الي سياج من فولاذ حفظ حياة
الزعيم من السوء ليخرج بعدها
الزعيم وهو يقف في الغرفة يتطلع
في دهشة الي الرفرف المعلق في
الناموسية ، وهو يردد قول الله
عز وجل «قل لن يصيبنا الا ما كتب
الله لنا» .
وفاة
الزعيم :
توفي
النحاس في 23 اغسطس 1965 وودعته
الجماهير كما ودعت مصر جثمان
الزعيم سعد زغلول في اغسطس 1927 في
مشهد نادر ما يتكرر حيث امتلأ
ميدان التحرير عن آخره
بالجماهير التي جاءت تودع مصطفي
النحاس ، واحاطت الجماهير
بالجثمان الطاهر ، وحملته علي
الأعناق ، واذا كانت الجماهير
قد عرفت بداية الجنازة من جامع
عمر مكرم ، فلم يعرف أحد نهاية
الجنازة التي اتجهت الي شارع
طلعت حرب ومنه الي جامع الكخيا
الذي كان مقررا ان تنتهي عنده
الجنازة .
ولكن
الجماهير أبت إلا أن تصلي علي
جثمان الزعيم في مسجد الامام
الحسين وحملوا الجثمان وهم
يهتفون «لا زعيم بعدك يا نحاس» و
«الزعامة ماتت من بعدك يا نحاس»
، وأصدر الرئيس الراحل جمال عبد
الناصر قراراً باعتقال وحبس
كبار الوفديين الذين شاركوا في
جنازة النحاس بل ووجه اللوم
لحمدي عاشور محافظ الاسكندرية
آنذاك لأنه سمح باذاعة خبر
الوفاة من اذاعة الاسكندرية
المحلية .
وبهذا
المشهد فقدت مصر زعيمها الذي
آلت إليه زعامة الامة بعد رحيل
سعد زغلول فحمل الامانة من بعده
فكان نعم الأمين ، ولقي من العنت
والظلم والاضطهاد ما تنوء عن
حمله الجبال ، فلم يضعف ولم تلن
له قناة ، وظل صامداً شامخاً في
وجه البغي والطغيان ، لا تهزه
طعنات من خنجر مسموم ، ولا تفزعه
رصاصات تنهال عليه اكثر من مرة ،
ولا تنال منه حملات التلويث ،
وانما يواجه كل ذلك بروح الصابر
الذي يؤمن بأن ما اصابه لم يكن
ليخطئه ، وما أخطاه لم يكن
ليصيبه وأن عناية الله اعظم
وأجل من كيد الكائدين ، رحم الله
مصطفي النحاس الزعامة والزعيم .
سراج
الدين زعيم تبوأ مكانة كبيرة في
قلوب كل المصريين
أكثر
الساسة تأثيراً في الحياة
السياسية وصاحب قرار التصدي
للقوات البريطانية
مثل
فؤاد سرج الدين امتدادا لزعامتي
سعد زغلول ومصطفي النحاس وتابع
مسيرة نضالهما من أجل تحقيق
أهداف النهوض بمصر ورفعتها ،
وتعزز دوره بفعل طبيعة المرحلة
التي عاشها ، حيث أعاد حزب الوفد
للحياة السياسية في مرحلة حكم
الرئيس أنور السادات بعد إلغاء
الاحزاب عقب تحولات 1952 .
ولد
سراج الدين في تشرين الثاني عام
1910 بقرية كفر الجرايدة مركز
بيلاً بمحافظة كفر الشيخ في
شمال مصر لأسرة ثرية من كبار
ملاك الاراضي الزاعية وحصل علي
ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة
عام 1931 وعمل بالمحاماة بعدها
لفترة ثم اصبح وكيلاً للنائب
العام سنة 1932 ، وانضم سراج الدين
الي عضوية حزب الوفد عام 1936
واصبح عضوا في مجلس النواب من
عام 1936 الي عام 1942 وعضوا في مجلس
الشيوخ عام 1946 .
وفي
معرض تناول سيرته يشار الي أن
سراج الدين امتلك تاريخا نضاليا
طويلاً فقد رافق في طفولته زعيم
الوفد المصري مصطفي باشا النحاس
وشارك معه في تمزيق معاهدة 1936 في
الاسكندرية عندما اعلن النحاس
باشا انها دون الطموحات المصرية
في تحقيق جلاء الاستعمار
البريطاني التام عن مصر ، وكان
سراج الدين من اخلص الوفديين
وأكثرهم ولاء لمؤسس الحزب سعد
باشا زغلول .
وفي
الثلاثينيات والاربعينيات من
القرن الماضي خاص سراج الدين
معارض سياسية طاحنة ضد قوات
الاحتلال البريطاني والقصر
الملكي ، مما جعله يتبوأ مكانة
كبيرة في قلوب المصريين ، فقد
كان اصغر نائب في مجلس النواب عن
محافظة كفر الشيخ القريبة من
القاهرة ، حيث موطن عائلته في
منطقة «كفر الجرايدة» ، وكان
زعيما للأغلبية الوفدية بمجلس
الشيوخ قبل ثورة يوليو 1952 وصدرت
ضده احكام بالسجن عقب الثورة
لمدة 15 عاما امضي منها 3 سنوات ثم
بعد ذلك وضعه مجلس قيادة الثورة
تحت الحراسة بحجة أنه يمثل «العهد
السابق» .
ويعد
فؤاد سراج الدين من أكبر الساسة
المصريين الذين أثروا الحياة
السياسية ، فقد تولي مناصب
وزارية أكثر من مرة ، فكان
وزيراً للزراعة ثم المالية
والداخلية والشئون الاجتماعية
والمواصلات في الفترة ما بين
عامي 1942 و1952 ، وهو صاحب القرار
التاريخي عندما كان وزيراً
للداخلية بإصدار تعليمات لجهاز
الشرطة في الاسماعيلية بالتصدي
لقوات الاحتلال البريطاني
والتي راح ضحيتها عشرات من
ابناء الشرطة ، واعتبر يوم 25
يناير من كل عام عيداً للشرطة
المصرية ، وكان اصغر وزراء مصر
سناً حيث كان عمره 32 عاماً عندما
تولي منصب وزير الداخلية ، وفي
حكومة الوفد في الفترة من 1942 الي
1944 طلب سراج الدين الاعتذار عن
عدم تولي منصب وزير الداخلية ،
لكن مصطفي باشا النحاس زعيم
الحكومة اصر علي إسناد المنصب
اليه .
ومما
يذكر عن فؤاد سراج الدين انه كان
صلباً في الحق لا يلين ، وفي ذلك
الصدد يروي فؤاد بدراوي نائب
رئيس الحزب واقعة عن اعتذار
النحاس باشا عندما كان رئيساً
للوزراء لفؤاد سراج الدين
وزيرالداخلية آنذاك ، عندما غضب
سراج الدين وتقدم باستقالته من
الوزارة بسبب إهانة النحاس لأحد
صغار ضباط الداخلية ، وقبل سراج
الدين اعتذار النحاس باشا امام
مجلس الوزراء شرط أن يعتذر
للضابط الصغير بنفسه ، وهو ما
كان يعكس في الوقت ذاته من قبل
النحاس باشا اخلاق الفرسان التي
تعترف بالخطأ حين تخطئ ، اعتذر
النحاس في مكتبه للضابط وقبل
جبهته أمام حشد من قيادات
الداخلية .
وقد
أقر بزعامة سراج الدين الخصوم
قبل الحلفاء ، واتفق الجميع علي
دوره المتميز في النضال الوطني
ومما ذكره عنه ضياء الدين داود
زعيم الحزب العربي الناصري ،
انه رغم اختلافه السياسي
والفكري مع الزعيم الراحل خاصة
فيما يمس ثورة يوليو ، فإنه يحظي
باحترام كافة الاوساط السياسية
، وهو رأي ردده تقريباً المهندس
ابراهيم شكري زعيم حزب العمل
المصري .
وفي
رصد لإجمال اعماله يشير سجل
حياته الي أنه أصدر قوانين
العمال سنة 1943 وقانون النقابات
المالية وقانون عقد العمل
الفردي ، وقانون الضمان
الاجتماعي وقانون انصاف
الموظفين ، كما اصدر قانون
تنظيم هيئات الشرطة ، كما امم
البنك الأهلي الانجليزي وحوله
الي بنك مركزي ، الي جانب ذلك
فقد كان من بين ما قام به اصدار
قانون الكسب غير المشروع ، ونقل
ارصدة من الذهب من الولايات
المتحدة الي مصر ، فضلاً عن
تمويل حركة الفدائيين في منطقة
القناة بالمال والسلاح في
الفترة من 1951 الي 25 يناير سنة 1952
كما انه هو الذي اقترح وصاحب
فكرة مجانية التعليم ، وكان
وراء قيام الوفد بإلغاء معاهدة
سنة 1936 ، وبدء حركة الكفاح
المسلح في منطقة القناة ضد قوات
الاحتلال البريطاني، وفرض الضرائب
التصاعدية علي كبار ملك الاراضي
الزراعية عندما كان وزيرا
للمالية سنة 1950 .
|