موائد
الرحمن فى قصر عابدين
سهير
عبد الحميد
مجلة
نصف الدنيا
قصور
الرئاسة التي كانت قدس
الأقداس في عهد مبارك
وزبانيته بكل ما تحتويه
من كنوز تعود إلي عهد
الأسرة العلوية التي تفننت
الأنظمة الحاكمة منذ عهد
الثورة وحتي يومنا هذا
في تشويهها .
لم
تكن كذلك في عهد الملك
فاروق الذي نعتوه بكل
نقيصة , فقد كانت ساحة
قصر عابدين في ليالي
رمضان مفتوحة أمام العامل
والفلاح والإنسان المصري
الذين كانوا يشاركون الملك
في مآدب الإفطار ، ويستمعون
معه إلي آيات الذكر الحكيم
من كبار القراء .
طارق
جرانة الذي كونه من خلال
جده الذي كان يشغل منصب
رئيس إدارة المباني والقصور
الملكية بالخاصة الملكية
وهو عباس بك جرانة ، في
أرشيفه معلومات عديدة أمدني
بها عن موائد الرحمن
سواء إفطار أو سحور
, وأيضا ذهاب الفقراء والمحتاجين
إلي المطاعم المنتشرة في
القاهرة والتي تتولي دفع
قيمة المأكولات من الإفطار
والسحور إدارة الخاصة الملكية
.
كان
الملك فاروق لا يتناول
وجباته في قاعة الأكل
, إلا في المآدب الملكية
, أو عندما يدعي كبار
رجال القصر إلي تناول
طعام الغداء علي مائدة
جلالته , وفي غير ذلك
وعندما يكون الملك بمفرده
, فإن الطعام يقدم له
علي مائدة صغيرة وكانت
حياة جلالة الملك الخصوصية
مثالا في البساطة .
وكان
الملك فاروق يقول للطبقات
الفقيرة ، يسرني دائما أن
أري ثمرة أعمالكم لأنه
يسرني أن أراكم منصرفين
إلي الأعمال التي تعود
علي الوطن بالخير .
مثلا
: قضي الملك عيد ميلاده
بين منكوبي الملاريا واستقبل
الملك المتطوعات لعلاج منكوبي
الملاريا , وحين وصل إلي
جمعية الهلال الأحمر .
قال:
إني فخور بالسيدة المصرية
التي تضحي براحتها في
سبيل هؤلاء الفقراء , وهذه
التضحية ضريبة يجب أن
يؤديها الغني للفقير , وأراد
أن يزور فاروق منكوبي
الملاريا وفقراء الصعيد
ليقف بنفسه علي ما أصابهم
فاختار أن يقضي عيد ميلاده
بينهم متفقدا أحوالهم وشئونهم
, وكان الفقراء ينتظرون دورهم
لتوزيع الطعام , فقام بالاشتراك
في توزيعه .
كان
أول ما عمله أن وجه
الكيفية التي تحتفل بها
البلاد حكومة وشعبا بالأعياد
الملكية توجيها جديدا , فأمر
بإلغاء الزينات والحفلات
علي أن يذهب المال الذي
ينفق إلي الفقراء تخفيفا
لضائقتهم ومساعدة لهم في
شدتهم .
ومضي
فاروق في هذا التوجيه
النبيل في كل مناسبة
سنحت له , فلم يلبث أن
بث في البلاد روحا جديدة
في معاملة الطبقات الفقيرة
.
وأقام
مشروع ( يوم المستشفيات ) أحد
مظاهر هذه الروح , وكانت
التقاليد قد جرت قبل
الحرب أن تقام مأدب في
القصر الملكي في شهر
رمضان ( مآدب إفطار ) ، لأمراء
البلاد وعلمائها ووزرائها
, فلما جاءت الحرب أمر
بإلغاء هذه المآدب علي
أن تحل محلها مآدب في
القاهرة وسائر مدن المملكة
وأرجائها للفقراء والمعوزين
علي حساب الجيب الخاص
الملكي طول مدة شهر الصوم
المبارك , فقبل أن يحل
شهر رمضان بأيام يذهب
المحافظون والمديرون والمسئولون
إلي قصر عابدين ويتسلمون
من معالي رئيس الديوان
العالي الاعتمادات المالية
اللازمة لهذه المآدب مع
رجاء من جلالة الملك
بأن يعدوا الفقراء الذين
يدعونهم إليها ( ضيوف جلالته
) ، وأن يبالغوا في إكرامهم
والاهتمام بهم .
وكان
جلالته يأمر الخاصة الملكية
بتوزيع مبالغ من المال
علي العائلات الفقيرة , فلا
يمر عيد الفطر المبارك
من غير أن تشعر هذه
العائلات به , وأمر بتوزيع
مبالغ أخري من المال
علي كل بيت فقير في
القاهرة وفي الأقاليم , ولم
يكن يمر أسبوع من أسابيع
شهر رمضان ، شهر الصوم
المبارك دون أن تقام
فيه مأدبة من المآدب
الملكية التي جرت عادة
الملك علي إقامتها في
كل عام .
فهذه
مأدبة للعمال ، وتلك لرجال
الجيش والضباط ، وثالثة
لمشايخ الطرق الصوفية والأئمة
والخطباء ، ورابعة للطلبة
الغرباء في مصر ، وتلك
مآدب تقام في مختلف أنحاء
البلاد يدعو إليها الملك
آلاف الفقراء من أبناء
شعبه , وعندما يقبل أفراد
الشعب علي القصر العامر
في أمسيات رمضان يذهبون
إلي غرف التشريفات لقيد
أسمائهم في السجلات المعدة
لذلك .
وكان
قصر عابدين العامر يضاء
بالأنوار الكثيرة لإحياء
ليالي رمضان ، ويعد عددا
كثيرا من المقاعد في
الفناء الداخلي للقصر لجلوس
الألوف الذين يقبلون لسماع
آيات الذكر الحكيم , وكان
جلالته في شهر رمضان
يؤدي أول صلاة جمعة في
هذا الشهر في مسجد الرفاعي
مع العلماء والكبراء , بل
كانت الصلاة فيه مباحة
للجميع في حضرة الملك
.
وكان
حريصا علي أن يشارك أبناء
شعبه في هذه الليالي
المباركة , فأمر أن تفتح
السراي أبوابها في كل
ليلة للجميع لا فرق بين
غني وفقير .
لقد
شهدت القاهرة في ذلك
اليوم حفلين كريمين .. الحفل
الأول في مسجد أبو الفتح
, حيث اجتمع فيه حول
الملك فاروق كبار رجال
الدولة .. أما الحفل الثاني
فكان في مسجد محمد علي
بالقلعة برئاسة فاروق وحضور
العلماء والكبراء والعظماء
وممثلي الدول الإسلامية
والاستماع إلي فضل ليلة
النصف من شعبان المكرم
، و بالمولد النبوي الشريف
كانت من مظاهر هذه الاحتفال
أن يقام سرادق بالخاصة
الملكية بساحة المولد النبوي
، يحضر جلالته مع كبار
رجال الدولة , وأيضا طائفة
من مشايخ الطرق الصوفية
يقرأ أفرادها الفاتحة أمام
جلالة الملك ويتبعونها بالدعوات
الصالحات للمليك والوطن
، وخلفهم أتباعهم يحملون
الألوية الصوفية وكانوا
يدعون والسامعون يؤمنون
علي دعائه .
|