التمثال
الحائر ... تمثال الملك فؤاد الأول
اسامة
كمال
المصدر:
الاهرام ويكلي
فى
أحد المخازن المغلقة بهيئة قناة
السويس ، يرقد حالياً تمثال الملك
فؤاد ( 1868 – 1936 ) ، يرقد وحيداً مهملاً
، بعيداً عن قاعدته الخالية ، قاعدته
التى تتصدر واجهة مدينة بورفؤاد ،
وتتوسط الميدان الرئيسى بها ، ولا
تبعد سوى أمتار قليلة عن مجرى القناة
الملاحى .
وللتمثال
قصة تفوق قصة الملك غرابةً
ودهشةً ، فمنذ ستين عاماً ،
وتحديداً فى الأول من نوفمبر عام 1951
، أعلنت الصحف المصرية ، أن الملك
فاروق الأول ( 1920 – 1965 ) ، آخر ملوك
الأسرة العلوية ، سيزور مدينة
بورفؤاد ، على اليخت الملكى – فخر
البحار ،
ليزيح الستار عن تمثال والده -
الملك فؤاد الأول
، والذى تكفلت بمصاريف نحته
وتشييده شركة - قنال السويس – تحت
إدارتها الفرنسية ، قبل التأميم .
ولم
تتم الزيارة فى حينها ، بسبب
اضرابات عمال ميناء بورسعيد ، كذلك
معارك القناة بين الفدائيين
المصريين ، والقوات البريطانية ،
التى كانت رابضة وقتها بالمنطقة ،
وصولاً الى حريق القاهرة فى
يناير 1952 ، وتأزم الحياة السياسية
المصرية ، واندلاع ثورة يوليو عام 1952
، التى قرر ضباطها الاحرار رفع
التمثال عن قاعدته ، والقائه مهملاً
فى ظلام أحد مخازن هيئة قناة
السويس ، باعتباره أحد رموز
العهد الملكى البائد .
وعلى
أحد أشهر مقاهى مدينة بورفؤاد (
مقهى الطيران ) ، والذى يعود تاريخه
الى تاريخ انشاء المدينة ذاتها عام
1926 ، التقيت مع المؤرخ البورسعيدى :
وليم قوسة - مواليد عام 1947 -
والذى اكتشف وجود التمثال فى عام
2002 ، وحدثنى قائلاً : أنا مغرم
بالتاريخ منذ طفولتى ، وتكاد أن
تكون حياتى قصراً عليه وولعاً به ،
ولى فى ذلك كتب عديدة منها : جذور
تاريخية لمدينة مصرية ، والذى خرج فى
جزئين عامى : 1994 ، 1996 ، وكتاب :
القناة ومعركة 56 ، والذى
نشرته عام 2006 ، احياءً للذكرى
الخمسين لتأميم القناة وحرب عام 1956
، كذلك لدى مخطوطة كتاب كاملة عن
مدينة بورفؤاد ، كنت بصدد نشرها ،
وقت تنصيب تمثال الملك فؤاد عام
2002 ، ولم يعرف الكتاب طريقه للنور
، مثله مثل التمثال ، الذى عاد مرة
أخرى الى ظلام المخازن ،وتعود قصتى
مع تمثال الملك فؤاد ، الى فترة عملى
بإدارة التحقيقات بهيئة قناة السويس
، وتحديداً فى عام 2002 ، وقتها كنت
أُنقب عن متعلقات ومقتنيات شركة
القنال القديمة والخاصة بالشركة
وموظفيها ، مثل : قطار البضاعة ،
المكاتب ، الاقلام ، الملابس
الخاصة بالعمال والموظفين ، الأعلام
، المراوح ، الآلات الكاتبة ،
الفوانيس ، وكلها متعلقات يرجع
تاريخها الى القرن التاسع عشر ،
وحتى منتصف القرن العشرين ،
وحزنت جداً ، بعد أن وجدت غالبية
المقتنيات – ان لم يكن جميعها بيعت
كخردة ، وتخلصت منها الشركة على مدى
السنوات الفائتة ، وأثناء تجولى وبحثى
فى المخازن ، فوجئت بتمثال الملك
فؤاد ، وسبب مفاجأتى ، اننى لم
أكن أدرى شيئاً عنه ، ولم أكن أعلم
بوجوده ، ووجدته متكلساً ومهملاً
، ويعلوه الصدأ ، وملامحه غائمة
وغير واضحة ، المدهش أنه كان تمثالاً
بالحجم الكامل ، ولم يكن نصفياً كما
سمعت من والدى الراحل ، الذى كان
يعمل بادارة العلاقات العامة فى
الشركة القديمة تحت ادارتها
الأجنبية ، وحدثنى من قبل عن وجود
تماثيل نصفية للملوك والزعماء
الراحلين ، تتواجد فى مخازن الشركة .
وبمجرد
عثورى على التمثال ، صارت حكاية
التمثال حكايتى ، ونقبت مشغوفاً عن
كل ما يخص التمثال ويتعلق به ، وقرأت
كل المراجع والمصادر التى ورد ذكره
فيها وما حدث مع الاستاذ وليم قوسة ،
حدث مع الاستاذ : محمد صلاح الدين أبو
الفتوح مواليد عام 1952 ، والذى فوجىء
بالتمثال ، أثناء عمله بجرد محتويات
أحد المخازن ، ووقع فى غرام التمثال
منذ لحظة اكتشافه له ، خاصة أن مدينة
بورفؤاد تحمل اسمه ، وترتبط به ،
وقرر الاستاذ محمد صلاح الدين ،
والذى كان وقتها عضواً بالمجلس
الشعبى المحلى لمحافظة بورسعيد ،
تقديم طلب الى المجلس ، باعادة
التمثال الى قاعدته مرة أخرى ، بعد
خمسين عاماً كاملة مرت علي التمثال
فى ظلام المخازن ، وتمت
الموافقة
على عودته ، من مجلس مدينة
بورفؤاد ، تحت رئاسة المهندس
علاء أبو صير ، وعهدت محافظة بورسعيد
الى مديرية الثقافة ، بترميم
التمثال ، واعادته الى سيرته الاولى
، وبالفعل رُمم التمثال ، وتكلف
حينها عشرين ألف جنيهاً ، وتم اعادته
الى قاعدته وسط احتفال كبير ، لكنه
لم يمكث على قاعدته إلا عشرة أيام
فقط ، وتم رفعه ، وإعادته الى نفس
المخزن الذى خرج منه ، بعد أن رفض
عودته : البدرى فرغلى ، عضو مجلس
الشعب ، بحجة انتمائه الى العهد
الملكى ، وتزامن عودته مع الذكرى
الخمسين لثورة يوليو ، وكأننا نحتفى
بالثورة ، باعادة الملكية الى مصر ،
وذلك ما رفضه الاستاذ وليم قوسة ،
معللا ً رفضه ، بأن هناك تماثيل
عديدة فى بر مصر ، لا تحمل تاريخاً
مثل الذى يحمله الملك فؤاد ، مثل
لاظوغلى باشا ، وزير مالية محمد على
، ورئيس وزرائه ، والذى أشار عليه
بمذبحة المماليك ، أو سيمون بوليفار
، الذى لا ينتمى الى مصر ، ويعود
كفاحه ونضاله الى أمريكا اللاتنية ،
ورفضه أيضاً الفنان التشكيلى : أسامة
عبد الحميد ، مواليد عام 1974 ، ابن
بورفؤاد ، والذى سبق له إقامة ثلاثة
معارض فنية : مائيات ، مودل ، وأخيراً
: شوارع المدينة ، الذى حاول فيه
التلامس مع شوارع مدينته وأجوائها .
ويرى
عبد الحميد ، أن الملك فؤاد جزءًا من
التاريخ ، سواء اتفقنا مع
سياساته أو رفضناها ، ولا يوجد مبرر
لرفعه عن قاعدته ، فالمدينة تحمل
اسمه ، وهو الذى وضع حجر أساسها فى
الحادى والعشرين من شهر ديسمبر عام
1926 ، ورغم أن عبد الحميد لم ير
التمثال بشكل جيد ، خاصة أن التمثال
غادر قاعدته قبل ان يزيلوا غطاءه
عنه ، إلا انه يعلم جيداً ، أن
فرنسا تتميز فى فن صناعة التماثيل
وسبكها ، والتمثال صناعة فرنسية ،
مثله مثل تمثال فرديناند ديليسبس ،
الذى يشهد بجماله كل من له علاقة
بالفن والنحت ، وذلك ما أكده لى أيضاً
، الفنان التشكيلى الكبير ، عباس
الطرابيلى ، أحد أهم علامات الفن
التشكيلى فى بورسعيد ، والذى تتلمذ
علي يديه العديد من فنانى المدينة ،
والذى يرى فى فرنسا قبلة حقيقة
لفن النحت ، خاصة فى الفترة التى تم
فيها نحت وسبك تمثال الملك فؤاد ،
المدهش اننى حينما
سألت
الاستاذ عبد السلام الألفى ، احد
أبرز رموز الناصريين فى بورسعيد ، عن
رأيه فى عودة التمثال ، فاجأنى
بموافقته على عودة التمثال ، ليس
فقط لانه جزءًا من التاريخ ، لكن لأن
الملك فؤاد لم يكن تابعاً لسلطة
الاحتلال البريطانى من وجهة نظره ،
كذلك لأن له أياد بيضاء على مشروعات
عديدة منها : بنك مصر عام 1920 ، مدينة
بور فؤاد عام 1926 ، وتحويل الجامعة
الأهلية إلى جامعة أميرية في الفترة
من 1924- 1926 ، ومعهد فن التمثيل ، وبنك
التسليف الزراعي ، والإذاعة
الحكومية ، ومجمع اللغة العربية ،
فى الفترة من 1930 وحتى عام 1934 ،
كذلك صدر فى عهده أحد أهم الدساتير
المصرية عام 1923 .
|