عصابة
الاربعة افسدت الملك فاروق
القاهرة
- حلمى النمنم
رغم
مرور نصف قرن على خلع الملك
فاروق ورحيله نهائيا عن مصر ،
مازال هناك الجديد حوله ، وقد
يكون هذا الجديد تصحيحا
لمعلومات ذاعت عن شخصية الملك ،
وقد يكون اظهارا لحقائق خافية ،
ففى عام 1998 ظهرت مذكرات امير
البحار حضرت صاحب العزة جلال بك
علوبة ، وكان قائدا لليخوت
الملكية وياور الملك وقائد
المحروسة فى رحلة الابحار
بالملك لأخر مرة من مصر مساء 26
يوليو 1952 ، ورغم اهمية تلك
المذكرات فأنها لم تسترع
الانتباه بالقدر الكافى ، ثم
صدرت مذكرات حارس الملك فاروق
الخاص ، ولكن لان حارس الملك لم
يكتبها بل رواها لأحد المحررين
فأنها جاءت اقل زخما مما هو
متوقع ، ثم صدرت فى عام 2000
مذكرات كريم ثابت المستشار
الصحفى للملك فاروق فى جزئين ،
وهى مذكرات لايمكن الاعتماد
عليها كثيرا لان صاحبها كتبها
بعد ان حوكم ودخل السجن فى اعقاب
ثورة يوليو 52 ، لذا كان حريصا
على ان يبرىء نفسه من الكثير
الذى اشيع عنه من افساد الملك
سياسيا ، ويلاحظ قارئى مذكرات
كريم ثابت انه تحدث عن كل رموز
العهد الملكى بالاحترام اللائق
فيما عدا الملك نفسه !! ، وبعيدا
عن هذه الجزئية فأن مذكرات كريم
ثابت تتضمن الكثير من المعلومات
والوقائع المهمة .
واخر
ماصدر من كتب فى هذا المجال
مذكرات السكرتير الخاص للملك
فاروق د . حسين
حسنى باشا بعنوان مع الملك
فاروق ... شهادة للحقيقة
والتاريخ ، وتقع فى قرابة
اربعمئة صفحة من القطع الكبير ،
وتأتى اهمية هذه المذكرات من ان
صاحبها عمل مع الملك فاروق منذ
وفاة الملك فؤاد وتنصيب فاروق
على عرش مصر وحتى خلعه ، وان د .
حسين حسنى باشا لم يوجه اليه اى
اتهام بعد ثورة
23 يوليو ، واستدعى مرة واحدة
الى احد المحاكم كشاهد اثناء
محاكمة كريم ثابت ، وظل ملتزما
الصمت تماما ، ولم يتاجر بما
لديه ولم يندفع للكتابات منددا
بالملك ومتملقا للحكم الجديد
كما فعل عدد من المحيطين بالملك
مثل كريم ثابت ، ولو سلك مسلك
هؤلاء لفتحت امامه الابواب
لتولى ارفع المناصب بعد ثورة 52 ،
خاصة ان سجله السياسى كان ناصعا
ومشرفا ، لكنه احتفظ بكبريائه .
لقد
كتب هذه المذكرات عام 1985 ، وبعد
انتهاء موجة الهجوم على الملك
فاروق بالباطل وبالحق ، كتب
الرجل شهادته بعد ان هدأت
المشاعر والعواطف واطمأنت
النفوس .
ويقول
فى المقدمة ليس لى من غاية من
وراء نشر هذه المذكرات سوى اداء
واجب الادلاء بشهادتى امام
محكمة التاريخ ، وخاصة ان كثيرا
من الوقائع التى اوردتها جرت
بينى وبين الملك وحدنا ، ومن هنا
بات من الزم واجباتى نحو
الباحثين عن الحقيقة ان اضع
امامهم الان ماكان سرا مطويا
لايعلمه غير الله ، وان كان قد
ظهرت اثاره امام الناس ولكن دون
ان يعلم احد كيف نشأت الفكرة ولا
الدافع ورائها .
حسنين
باشا :
من
الشخصيات التى تحظى بوجود مكثف
فى المذكرات احمد حسنين باشا
رئيس الديوان الملكى ، ويتتبع
سكرتير الملك جذور هذه الشخصية
التى اكتفى الكثيرون بالقول انه
كان ابن واحد من علماء الازهر ،
وكان د . حسين حسنى باشا قد التقى
به لأول مرة عشية الافراج عنه
اثناء اعتقاله ، وياللمفاجأة
فقد كان حسنين انذاك مفتشا
بالداخلية وسكرتيرا لكبير
مفتشى الداخليه مستر هور نبلور
، وكان نبلور عنيفا مع الوطنيين
وكانت المظاهرات تلعنه ويسمى فى
شعاراتها هور ابن التور ،
ويومها نصح حسنين باشا الشاب
حسين بالابتعاد عن السياسة
والالتفات الى دراسته ، ولما
التقيا ثانية بالقصر الملكى حين
كان حسنين لايزال الامين الاول
بالقصر ، وشرح له حسنين بعض
ماخفى من حياته مثل انه سافر الى
فرنسا للدراسه هناك ، وانتقل
منها بعد سنه الى جامعة اكسفورد
بلندن ، وكان اللورد ملنر ، وهو
معروف فى التاريخ المصرى ايام
ثورة 1919 والمفاوضات بين مصر
والانجليز ، هو الذى اشرف على
الحاق حسنين بتلك الجامعة ،
وكان يرعاه هناك ويواليه
بالاشراف ، وكان يدعوه لقضاء
اجازة نهاية الاسبوع فى قصره
الريفى ، ويظل السؤال حول طبيعة
علاقتة بملنر ولماذا كان يفعل
معه ذلك ؟ .
اما
صاحب المذكرات فيقول .. ولم اعلم
ولم اسمح لنفسى بالاستفسار من
حسنين بك عن منشأ صلته بملنر ،
لكن مايلى من المذكرات يمكن ان
يقدم اجابة او تصورا بأجابة ، ثم
قامت الحرب العالمية الاولى بعد
سنتين من دراسته بأكسفورد وانضم
الطلبة الانجليز الى الجيش ،
ولم تكن القوانين الانجليزيه
تسمح للطلبة الاجانب بالتطوع
الى حين البت فى امرهم ، اقامت
الحكومة الانجليزية معسكرات
لتدريبهم فتطوع احمد حسنين ،
ولم يلبث ان اعلنت الحماية
البريطانية على مصر ، وجاء
الجنرال مكسويل الى مصر قائدا
لجيش الاحتلال ، وعين حسنين
سكرتيرا خاصا له ، وقال حسنين
انه قبل ذلك المنصب لأنه كان
يأمل ان يقدم مايستطيع لخدمة
بلاده ، ولكنه كان يعامل بأسلوب
فيه اهانة من الضباط الانجليز ،
لانه لايرتدى الملابس المدنية ،
فشكا الى القائد الذى طلب من
حسنين ان يختار الموقع الذى يحب
ان يعمل به ، ففضل ان يكون مفتشا
بوزارة الداخلية ، وعمل سكرتيرا
لمستر هور نبلور ، ومما قام به
حسنين انه اثناء الحرب العالمية
الاولى هب السنوسيون فى ليبيا
للقتال الى جوار الدولة
العثمانية ضد الانجليز ، فذهب
اليهم حسنين وتفاوض معهم بأسم
الانجليز ، وقد اتاحت له تلك
الخطوة ان يعرف الصحراء الغربية
ويعود اليها بعد ذلك ويصير
مكتشفا مما جعل الملك فؤاد
يعرفه ويعينه فى القنصليه
المصريه بواشنطن ، وارتبط هناك
بزوجته ، ابنة الوزير المفوض
سيف الله يسرى باشا ، وامها هى
الاميرة شويكار ، زوجة الملك
فؤاد الاولى ، ومن هذا المدخل
زحف احمد حسنين الى القصر
الملكى .
وكان
الانجليز وراء حسنين داخل القصر
خاصة فى صلته بالملك فاروق ،
فحين تقرر ان يسافر معه رائد
انجليزى يكون مسئولا عنه ، رفض
الملك فؤاد ذلك الرأى ، ووقع
الاختيار على حسنين بك ، الذى
اعتذر لان عليه التزامات كبيره
يجب الوفاء بها قبل سفره ، ولذا
اختار الملك فؤاد الفريق عزيز
المصرى لما هو معروف عنه من نشأة
عسكرية فى معاهد تركيا
والمانيا ، وهنا ثار
الانجليز واصروا على ان يكون
احد رجالهم مع الامير وحددوا
حسنين بالاسم ، ولذا امر الملك
فؤاد بضرورة تسديد اموال حسنين
ليسافر وتحملتها الحكومة وصار
هو رائدا لولى العهد ، وليلة
السفر اوصاه الملك فؤاد بأنه
يستودعه امانة هى اغلى مالديه .
وماحدث
فى بريطانيا معروف فقد اقتحم
حسنين بالامير دوائر السهر
بدعوى ان ذلك يوسع خبراته
ويعمقها ، الى ان توفى الملك
فؤاد وعاد فاروق فى 6 مايو 1936 ،
ونصب على عرش مصر .
العلاقة
بعد ذلك بين حسنين باشا حين صار
رئيسا للديوان الملكى والملك
معروفة للجميع خاصة علاقته
بالملكة نازلى ، وزواجه منها
لكن مازال فى هذا الجانب جديد
يضيفة سكرتير الملك ، ويتعلق
ذلك بقصة نشأة العلاقة بين
نازلى وحسنين ، فليس صحيحا
ماتردد من انها بدأت بعد حادثة 4
فبراير 1942 ، لقد بدأت بعد وفاة
الملك فؤاد مباشرة وقبل ان
يتولى الملك فاروق سلطاته
الدستورية .
الام
ملكية :
قرر
الملك فاروق ان يقوم برحلته
الاولى الى اوروبا ، وهى الرحلة
التى اصطحبت والدته فيها الفتاه
صافيناز التى صارت فيما بعد
الملكة فريدة ، وكانت الرحلة
بالباخرة التى ابحرت من بورسعيد
، وحين بدأت الرحلة كان احد
افراد الحاشية يتمشى على سطح
الباخرة بجوار قوارب الانقاذ ،
وكانت المفاجأه امامه حسنين
باشا جالس على احدى الارائك
الخشبية والى جانبه الملكة
نازلى فى حالة استرخاء لايكون
الا بين من رفعت بينهم كل كلفة ،
وفى اليوم التالى استدعى حسنين
رجل الحاشية الذى شاهده ونصحه
بحكمة تمثال القرود الثلاثة ..
لايسمع .. لايرى .. لايتكلم .
الجديد
الذى يضيفه سكرتير الملك ان
فاروق استشعر ذلك مبكرا وبمجرد
عودته ، وكان متألما ، وشكا من
ذلك ، خاصة بعد ان واصل حسنين
الاقامة فى القصر الملكى ،
وتضيف المذكرات الكثير من
التفصيلات فى هذا الاطار والتى
تكشف استهانة نازلى بكل شىء فى
سبيل اهوائها حتى لو كان مصير
ابنها والعرش .
الملك
الوطنى :
عزم
الملك الشاب على ان يتخذ سياسة
وطنية تجاه الاحتلال الانجليزى
المصرى ، وبدا من القصر نفسه ،
فقد امر بأبعاد كل من كان فى
خدمة القصر من الانجليز ، وبدا
بالسائق الخاص لسيارة الملك ،
وكذلك رجال الحرس الخاص الذين
يرافقون موكبه حول السيارة ،
وابقى فقط على الصيدلى الاول
بالقصر الى انتهاء عقده الخاص ،
وابقى ايضا على المربيات
الانجليزيات لشقيقاته ثم بناته
من بعد ، ورفض الملك رجاء السفير
البريطانى بتعيين مستر فورد
بالقصر .
اعقب
ذلك طلب الملك من الحكومة ( كانت
حكومة الوفد ) ضرورة ازالة
الامتيازات التى كان يتمتع بها
السفير البريطانى فى مصر ، فقد
كان مسموحا بحراسة السفارة
البريطانية فى القاهره بحراس من
الجيش البريطانى راسا ، ويفتح
للسفير الباب الملكى بمحطة
السكه الحديد عند سفره او قدومه
، ويخصص له قطار خاص ويستقبل
رسميا عند سفره ، وتوقف حركة
المرور فى الشوارع عند خروجه او
مروره بالسيارة وتحاط سيارته
بحراسة خاصه انجليزية ، هذه
الامتيازات لاتمنح الا لملك
البلاد ، وكانت تمنح للمندوب
السامى البريطانى وقت ان كانت
مصر رسميا تحت الاحتلال
البريطانى ، ولكن بتوقيع معاهدة
1936 التى سماها الوفد معاهدة
الاستقلال والشرف اقرت
بريطانيا على الورق بأستقلال
مصر ، ويترتب على ذلك ان يتحول
المندوب السامى البريطانى الى
السفير البريطانى ، ويعامل
كسفير وترفع عنه كافة
الامتيازات ، ويرى سكرتير الملك
ان اشارة الملك بألغائها كانت
من اول اسباب حقد السفير
البريطانى عليه ، والحقيقة ان
الحكومة التى وقعت المعاهدة رأت
الابقاء على الامتيازات مجاملة
للسفير ، ولم يفعل الملك ذلك
تجاه السفير لأسباب شخصية او
خاصة بل عن رغبة صادقة فى الحفاظ
على كرامة بلاده والحرص على
صيانة تلك الكرامة والتمسك
بالمبادىء الوطنية القوية .
4
فبراير 1942 :
يحمل
سكرتير الملك مسئولية حادث 4
فبراير لأثنين ، الاول حسنين
باشا رئيس الديوان الملكى
والثانى النحاس باشا رئيس حزب
الوفد ، وتبدأ الحكاية قبل
الحادث بعدة ايام حين ذهب
الصحفى مصطفى امين الى القصر
الملكى والتقى بحسنين باشا
ليبلغه انه علم من مصدر مؤكد
حدوث اجتماع مهم فى مبنى
السفاره البريطانية ضم كبار
القاده العسكريين وكبار
السياسيين اثر خبر وصل الى
السفاره بأن الملك عازم على
انهاء الازمة الوزارية بأقالة
وزارة حسين سرى وتعيين على ماهر
رئيسا للحكومة ، واتفق فى هذا
الاجتماع على منع الملك من ذلك
ولو بأستخدام القوة وعزله من
عرشه ، وطلب مصطفى امين ابلاغ
الملك بذلك ، لكن حسنين رفض
الابلاغ ، وطلب ان يتم ذلك عن
طريق السكرتير الخاص الذى ذهب
اليه مصطفى امين وحكى له
الواقعة ، وكان السكرتير قد
تحدث مع الملك قبل ذلك واستبعد
فكرة تعيين على ماهر وكان
تفكيره الاتجاه نحو شخصية
مستقلة تماما تشكل وزارة قومية
، ومع ذلك نقل المعلومة للملك
الذى طلب التأكيد لمصطفى امين
انه ليس هناك اى تفكير فى على
ماهر على الاطلاق .
وتصاعدت
الازمة يوم 2 فبراير بتقديم حسين
سرى استقالته ، فدعا الملك
النحاس الى تشكيل وزارة قومية
لكنه رفض وعزم الملك على ان يدعو
اليه مكرم عبيد فى اليوم التالى
ليقنع النحاس ، ولكن فى مساء 2
فبراير اتصل السفير البريطانى
بحسين يبلغه علمه بمقابلة الملك
للنحاس وانه ينصحه بترك مطلق
الحرية للملك .
وفى
صباح 4 فبراير سلم السفير انذارا
الى حسنين بضرورة تكليف النحاس
بتأليف الحكومة فى مساء نفس
اليوم ، فدعا الملك قادة
الاحزاب اليه ، واطلعهم على
الموقف وطلب اليهم اتخاذ القرار
، واعلن النحاس انه لايعرف اى
شىء عن الضغوط البريطانية على
الملك ، وانه لن يرفض طلب الملك
اليه بتشكيل الحكومة ، ورفض
رؤساء الاحزاب انذار السفير ،
ويلوم صاحب المذكرات النحاس
باشا فقد كان حريا به ان يعلن
رفضه تشكيل الحكومة .
ثم
وصل السفير الى القصر مساء 4
فبراير على النحو المعروف وقدم
انذاره الى الملك ، فتحدث معه
الملك عن لياقة الورقه المقدمة
وانه لامحل لها لأنه كلف النحاس
فعلا بالتشكيل ، وكان الملك قد
طلب الى حرس القصر عدم الاحتكاك
مع الانجليز حتى لاتحدث مجزرة .
ويتسائل
د . حسين باشا حسنى حول حسنين
باشا وهو رئيس الديوان ويعرف
خطورة الموقف لما لم يطلب الى
حسين سرى تأجيل التقدم
بأستقالته لأيام او لأسابيع
تفاديا للازمة ، ولماذا لم يعمل
على حل ازمة وزارة سرى خاصة وانه
يعلم ان الملك لاينوى تكليف على
ماهر بالوزارة ؟ .
ويوجه
لوما عنيفا للنحاس باشا الزعيم
الكبير الذى سمح بمظاهرة من
شباب الوفد فى حديقه منزله
حملوه على الاعناق وهتفوا فيها
للسفير البريطانى الذى اهان
كرامة الملك والبلاد .
الاتصالات
بألمانيا :
كان
مايلز لامبسون قد ردد كثيرا ان
الملك فاروق كان على اتصال
بالالمان ودول المحور اثناء
الحرب العالمية الثانية ، وحين
عرض النقراشى باشا عام 1947 على
هيئة الامم المتحدة القضية
المصرية مطالبا بالاستقلال ،
اتهم مندوب بريطانيا الملك بأنه
كان يخابر اعداء الحلفاء .
والحقيقة
ان الملك حاول الاتصال بهتلر ،
وكان ذلك بعد ان تجاوزت القوات
الالمانية الحدود المصرية عام
1942 ، فقد طلب الى سكرتيره ان
يرسل برقية الى السفير المصرى
بأيران وهو انذاك يوسف ذو
الفقار باشا ، والد الملكة
فريدة ليطلب من شاه ايران
التوسط لدى هتلر لأصدار الامر
الى جيشه بالحرص بقدر الامكان
على تجنب مايؤدى الى تدمير
المرافق فى البلاد والحفاظ
عليها وعلى ارواح الناس على قدر
الاستطاعه ، وارسلت برقية
بالفعل ولايظهر فى المذكرات
حديث عن اثر هذه البرقية ، لكنها
وصلت بالتأكيد الى علم الانجليز
، ورغم نبل هدف الملك وتصرفه
كملك يتخوف على بلده وشعبه ، فأن
بها قدر كبيرا من السذاجه
السياسية ، اذ كيف يرسل برقية
بهذا المعنى ، بينما كان
الانجليز يعرفون كل كبيرة
وصغيرة فى القصر وجواسيسهم تملأ
القاهره وطهران ، الم يكن
الاجدى ارسال مبعوث لمقابلة
السفير او طلبه الى القاهره
وابلاغه بذلك شفويا .
كان
حادث 4 فبراير بداية تحول خطير
فى حياة الملك وان بدا بهدف برىء
، فقد اشاع لامبسون ان الملك
يكره الانجليز ، عموم الانجليز
، ولم يكن ذلك صحيحا ، واراد
الملك ان يكذب لامبسون عمليا ،
فقرر ان يتعامل مباشرة مع
الشباب والافراد الانجليز فى
مصر ، وكان هؤلاء يتواجدون فى
الملاهى الليلية خاصة الاوبرج ،
فكان الملك يفاجئهم بالظهور
بينهم فى تلك الملاهى ، وهو امر
اثار السكرتير الخاص واخرين
غيره بالحاشية الملكية ،
وفاتحوا حسنين فى هذا الامر
فأخذ يبرره ويدافع عنه بأن ذلك
اتجاه محسوب وتحت السيطره
للصالح العام ، ثم عاد السكرتير
الخاص ليفاتح الملك مرددا نفس
حجج حسنين ولكنها تطورت الى
الاسوأ ، وبتعبيره .. ان التغيير
الذى طرأ على سلوك الملك الشخصى
فى هذه المرحلة المبكرة كان
طفيفا اذا قورن بالانزلاق
الخطير الذى طرا على سلوكه فيما
بعد .
وبدأ
تردد الملك على صالات القمار
بالفنادق واكتشف الامر
بالمصادفة ، ولما فاتح السكرتير
الخاص حسنين ، ردد بأن الملك
تربى مع اخواته البنات وكان
محروما من الاصدقاء الشبان ،
ومن الافضل ان ينفتح على ابناء
العائلات العريقة ، وهؤلاء
يلعبون الورق وهو جزء من سلوكهم
وليس دليل انحراف !! .
كريم
ثابت :
ظهر
كريم ثابت فى حاشية الملك وعينه
الملك مستشار صحفيا ، وقد اثار
ذلك غضب الكثيرين لأن ثابت تربى
فى صحيفة المقطم وهى لسان حال
الانجليز فى مصر ، وفضلا عن ذلك
فقد كان كريم شخصا فاسدا ومنحطا
، وقد ذهبت بعض الدراسات مؤخرا
وبعد ظهور مذكرات كريم ثابت الى
ان الملك اختاره لهذا المنصب
لأنه يعلم ان كريم ثابت كان على
صلة برجال المخابرات فى السفارة
الانجليزيه ، وان الملك اختاره
تحديدا ليكون قناة توصيل جيده
ومباشرة بينه وبين لندن ،
واظهرت الوثائق الامريكية التى
كشف عنها فى السنوات الاخيرة ان
كريم ثابت كان على صلة ايضا
بالسفارة الامريكية ورجال
الامن بها .
على
ماهر والخدم :
ويرصد
صاحب المذكرات جانبا من التخريب
الذى تعرضت له شخصية الملك
فاروق ، قام به على ماهر الذى
اختير رئيسا للوزراء فى عهد
فاروق وكذلك كان اول رئيس وزراء
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 ، كان
الملك فاروق يثق به لانه عمل مع
والده الملك فؤاد ، وكان اول من
نادى بتنصيب فاروق ملكا بعد
وفاة الملك فؤاد ، وفى بداية
عهده كان الملك يستقبل كل صباح
معاونيه ويقدم كل منهم التقارير
التى لديه ، ويبحثها الملك
بنفسه ويملى توجيهاته ، فلما
جاء على ماهر رئيسا للديوان قرر
الا يلتقى الملك بالمعاونين
وجها لوجه ، بل يقدم كل منهم
مالديه فى تقرير مكتوب الى رئيس
الديوان ليعرضه بنفسه ويعود
اليهم بالتوجيهات ، فتعثرت
وتباعدت اللقاءات بين الملك
ورجاله ، ثم تباعدت مع على ماهر
ايضا ، فكانت التقارير تحمل الى
الملك ويقراها عليه الشماشرجية
ثم الخدم فيما بعد ، وفتح الباب
على مصراعيه لتدخلهم فى الامور
السياسية وغير السياسية ،
وتطورت الامور على النحو الذى
نعرفه ، فظهر انطون بوللى ومحمد
حسن وغيرهما .
عبر
المذكرات يبدو الم السكرتير
الخاص واخرين داخل الحاشية من
انحدار مستوى الملك فى السنوات
الاخيرة ، ويسميها السنوات
السوداء وعجزهم عن ردعه ، وتثبت
هذه المذكرات صحة مااستنتجه
المستشار طارق البشرى من ان
حاشية الملك لم تكن كلها فاسدة ،
بل كان بينهم اناس شرفاء واطهار
وحافظوا على شرفهم وطهرهم .
وعلى
المستوى الشخصى فأن هذه
المذكرات وغيرها بددت الكثير من
الدعايه السوداء التى بثت ضد
الملك فاروق فى الخمسينات ، فلم
يكن الملك فاروق خائنا لوطنه
ولا لجيشه كما تردد ، ولم يكن
الرجل زير نساء كما صور ، ولا
كان يحتسى الخمور ويسكر ليل
نهار ، بل ثبت انه لم يتعاط
نهائيا الخمور ، هو فقط كان ضعيف
الشخصية بسبب طفولته ومااحدثته
امه فيما بعد ، اما حداثة سنه
فلاتصلح مبررا لكل ذلك ، فقد سبق
ان تولى الخديوى عباس حلمى نجل
الخديوى توفيق ولاية مصر بعد
وفاة والده واستدعى من الخارج
فى ظروف مشابهة ، وكان عمره 18
عاما ، لكن عباس حلمى لم يرزق
بشخصيات مثل حسنين باشا والملكة
نازلى وكريم ثابت وعلى ماهر
وغيرهم .
دنيا
الاتحاد – العدد 9760 – الثلاثاء
12 محرم 1423 هـ - 26-3-2002 م
|