الملك
فاروق والاسلام
الملك
فاروق يستمع للشيخين مصطفى
إسماعيل وأبو العينين شعيشع
بدعوة
من القصر الملكي لقرائة القرآن
فى إحدى المناسبات الدينية
الدكتورة
لطيفة سالم قدمت
نماذج
لما قام به الملك مثل تخفيض
إيجارات أرضه ، ووضع قمح
المزارع الملكية تحت تصرف
الحكومة للمساهمة في حل أزمة
التموين ، كما طالب
بالمشروعات التي تعود علي
الفقراء بالمساعدة وتخفيض وطأة
الأعباء الثقيلة ، وانتهز
المناسبات ليأمر أن يقدم فيها
الطعام لهم وتوزع عليهم المؤن
والملابس من حسابه الخاص .
وتضيف
الدكتورة لطيفة فتشير إلي أن
الملكة فريدة أسهمت في الدعاية
السالفة ونجحت في منافسة حرم
النحاس التي انتشرت رائحة
فسادها ، وللملكة مكانتها في
قلوب المصريين ، وحرصت علي
الارتقاء بها ، فأكثرت
تبرعاتها للمطاعم الشعبية
لتقدم الغذاء للفقراء وقامت
بزيارتها .
وفي
نفس الوقت واصل فاروق منهجه في
الظهور بمظهر المسلم الغيور علي
دينه ، فهو يرتاد المساجد ،
ويحضر الاحتفالات الدينية ،
ويستقبل ضيوف الدول الإسلامية
، ويقدم التبرعات للمنشآت
الدينية سواء في مصر أو خارجها
، ومما لا شك فيه أن هذا
الاتجاه أعطاه المزيد من الحب
لدي الشعب علي حساب الوزارة .
وأتت
الرياح بما تشتهي السفن لتضيف
رصيدا جديدا لشعبيته وخصما أيضا
من رصيد الوفد ، ففي الوقت
الذي كان يقوم فيه الملك بزيارة
إلي طنطا ودمنهور ووسط مظاهر
الابتهاج في البلاد والمحطات
التي مر بها موكب الملك جاء'
حادث القصاصين' ليضيف المزيد
.
فقد نشر الأهرام في16 نوفمبر
سنة1943 أن ديوان كبير الأمناء
أورد أمس (15 نوفمبر)
النشرة الطبية الآتية :
حدث
في الساعة الرابعة بعد ظهر
اليوم في طريق الاسماعيلية قرب
القصاصين أن اصطدمت سيارة حضرة
صاحب الجلالة الملك بسيارة نقل
.
وقد
أجريت الاسعافات اللازمة
لجلالته في أحد مستشفيات الجيش
البريطاني وتبين بعد عمل الأشعة
أنه يوجد شرخ بسيط جدا لا يتجاوز
السنتيمتر بالحرقفة اليسري مع
رضوض بسيطة ، والحالة العامة
جيدة والنبض والحرارة طبيعيا
، وقد
وافق الأطباء علي أن ينتقل
جلالته إلي قصر عابدين غدا
صباحا .
الامضاءات
: الدكتور علي إبراهيم ،
الدكتور روس ، الدكتور لودن
، الدكتور عباس كامل
الكفراوي ، الدكتور أحمد
النقيب ، الدكتور كامل حسين
، الدكتور فؤاد رشيد ،
إلي
جانب أنه انضم إلي طاقم الأطباء
المعالجين ، الدكتور يوسف
رشاد طبيب بحرية الملك .
وأضاف
الأهرام المزيد من التفاصيل عن
الحادث علي لسان مندوبه الخاص
الذي ذهب إلي القصاصين وأرسل
تقريره الذي أشار فيه إلي أن (
جلالة الملك كان يقود سيارته
الخاصة في طريقه إلي
الاسماعيلية لزيارة يخته الخاص
، وكان معه ثلاثة من رجال
الحاشية الملكية ، وكانت
إحدي سيارات اللوري سائرة في
الاتجاه المقابل وأرادت اللوري
أن تلف فجأة إلي اليمين دون أن
يبدي السائق الإشارة الخاصة
بالمرور ، فعمل جلالته علي
أن يتفاداها ، وفعلا تمكن من
ذلك ، ولكن مركبة اللوري
ارتطمت بأحد جوانب السيارة
الملكية ، ويقول الذين
شاهدوا الحادث أنه لولا مهارة
جلالة الملك في القيادة لأصيبت
السيارة إصابة بالغة ) .
وشاهد
الحادث اثنان من ضباط الطيران
البريطاني فأسرعا إلي حيث كان
جلالة الملك ، وصحبا جلالته
إلي المستشفي العسكري ولم يعرفا
أنه ملك مصر .
وقد
قال الضابطان لمندوب الأهرام (
أنهما لم يريا في حياتهما شابا
بهذه الشجاعة وقوة الاحتمال ) .
فعند
وصول جلالته إلي المستشفي عرفه
الأطباء وأرادوا أن يسارعوا إلي
علاجه ولكنه أشار إلي أحد رجال
الحاشية الذي أصيب في ساقه وقال
للأطباء افحصوه هو أولا .
وأشار
مراسل الأهرام أنه حينما وقع
الحادث كان في السيارة الملكية
انطون بولي أفندي وحسن حسنين
افندي ويعقوب الأرناؤطي أفندي
وهم من الحاشية الخاصة ،
فأصيب أولهم بكسر يسير في أحد
الأضلاع والثاني بكدمة خفيفة في
كتفه والثالث بشرخ في عظام
الساق .
وقد
تحسنت صحتهم جميعا وسافروا إلي
الإسكندرية لقضاء دور النقة في
مستشفي فؤاد الأول ، وتفضل
جلالة الملك فاتصل بالمستشفي
للسؤال عنهم .
وما
أن وقع الحادث حتي جاء رد الفعل
الذي رصدته الأهرام فعلي
المستوي الرسمي عندما علم رئيس
الوزراء مصطفي النحاس أمر
بإعداد قطار خاص يسافر فيه إلي
القصاصين ، وقد أعد القطار
فعلا غير أن أحمد حسنين أبلغه أن
الحادث بسيط وأن صحة الملك علي
ما يرام غير أنه في اليوم التالي
16 نوفمبر توجه إلي القصر
الملكي وسجل اسمه في سجل
التشريفات وتوجه في عصر ذات
اليوم إلي القصاصين ، وكان
قد سبقه إلي هناك وزير الداخلية
فؤاد سراج الدين.
في
ذات الوقت كان الوفد يحتفل بعيد
الجهاد الوطني في13 نوفمبر ،
واكتسب الاحتفال طابعا خاصا في
ذلك العام (1943) فقد مر علي
تأسيس الوفد25 عاما ،
فعندما افتتح المؤتمر في16
نوفمبر أبلغ سكرتير الوفد
المؤتمرين أنه بعد موافقة مصطفي
النحاس رفع أسمي آيات التهنئة
إلي جلالة الملك بمناسبة سلامته
ونجاته ، حامدا المولي
سبحانه وتعالي علي كريم لطفه
بجلالته ، ضارعا أن يحفظ
ذاته العلية ، وأن يكلأه
بعنايته ، وتوافد علي
القصاصين الملكة نازلي والملكة
فريدة وشقيقات الملك وبقية
أمراء الأسرة العلوية ،
والسيدة أم المصريين هدي شعراوي
، وكذا بقية الوزراء
والسياسيين البارزين من أمثال
أحمد ماهر وحلمي عيسي ومحمد
حسين هيكل ومكرم عبيد ومحمد
حافظ رمضان ... الخ ، وعلي
حد قول مراسل الأهرام لم يكن في
الاستطاعة إحصاء عدد الأفراد
ولا أسماءهم فقد كانوا يتجددون
ساعة بعد أخري ، بل دقيقة بعد
أخري .
وفي
القاهرة توافد العشرات من
الأفراد والهيئات إلي تسجيل
أسمائهم في سجل التشريفات لدرجة
أن السجلات وصلت في بعض الأحيان
إلي أحد عشر سجلا لأن البعض ممن
يسجلون أسماءهم كانوا لا يكتفون
بذلك بل يشفعون به عبارة يعرب
فيها عن ابتهاله إلي الله أن
يرعي الفاروق ، إضافة إلي
آلاف الرسائل التي انهالت علي
قصر عابدين من كل انحاء مصر .
علي
الجانب الآخر قررت وزارة
الأوقاف إذاعة الجمعة وخطبتها
من مسجد السيدة زينب وقد دعا
الخطيب في الخطبة الثانية دعاء
حارا حمد الله فيه علي لطفه
بجلالة الملك وسأله سبحانه
وتعالي أن يعجل شفاءه ، كذلك
أقيمت صلوات شكر في جميع
الكنائس شكر لله علي نجاة جلالة
الملك .
ولطمأنة
الناس أكثر علي صحة الملك ،
أبلغ أحمد حسنين مندوب الأهرام
علي لسان الملك بأن ( صحته
علي ما يرام ولله الحمد وأرجو
ألا ينزعجوا فإن حالته تتحسن
باطراد ) ، إضافة
إلي النشرات الطبية المستمرة
التي كانت تنشر في الصحف لطمأنة
الناس وقد جاء في النشرة
السادسة في19 نوفمبر بأن صحة
الملك تحسنت تحسنا كبيرا وقد
رأينا عدم إصدار نشرات يومية
تباعا .
إضافة
إلي ما سبق فقد نشر مراسل
الاهرام بالقصاصين ما يؤكد بأن
صحة الملك علي ما يرام ، وأنه
يداعب الأطباء الذين يعالجونه
وأورد نص حوار بين الملك
والدكتور علي باشا إبراهيم حيث
طلب الأخير من الملك أن ينتقل
إلي قصره لأن الحالة لا تدعو إلي
إبقائه في المستشفي ، وهنا
سأله الملك ولماذا لا أبقي حتي
استكمل راحتي ؟ فقال علي
إبراهيم باشا لأن المكان ضيق يا
مولاي ، فقال جلالة الملك إن
ضيق المستشفي لن يكون سببا في
مغادرته ، لقد احتملني فيجب
أن احتمله! ثم ابتسم وقال
: يظهر أنك يا علي باشا تخشي
مشقة الطريق عليك .. فقال علي
باشا استغفر الله يا مولاي أنا
في خدمة جلالتكم في كل وقت وكل
مكان وليس عندي عمل خاص أخشي
عليه ، فقد أغلقت عيادتي منذ
أمد طويل ، ليس لي وجهة إلا
خدمة جلالتكم .
وكانت
المناسبة فرصة لإثبات أن
العناية الإلهية كانت رحيمة
بالملك فقد روي مراسل الأهرام
علي لسان الملك في حوار مع أحمد
حسنين باشا عندما قال له :
أتعرف ما أنقذني ؟ فأجاب حسنين
باشا : إن ضباط الطيران الذين
شهدوا الحادث يقولون أن الفضل
لمهارة جلالته في القيادة ،
فأخرج الملك مصحفا ذهبيا من
جيبه وقال : كلا ، بل هذا
المصحف هو الذي أنقذني .
وقال
جلالته أنه يضع في كل سيارة من
سياراته مصحفا شريفا غير المصحف
الذهبي الذي يحمله دائما في
جيبه ، وحدث أن طلب جلالته
أمس ( 17 نوفمبر ) مسبحة فقدم
إليه معالي حسنين باشا مسبحته
.
وكان
الحادث مناسبة للتبرعات
للفقراء والمحتاجين ومطاعم
الشعب ومرضي المستشفيات وصندوق
المحرومين ، وكانت فرصة أيضا
للملك ليذبح الذبائح من مزارعه
بأنشاص لإطعام عمال المنطقة
وإطعام فقراء البلدة .
وخارج
مصر فقد شكر العراقيون الله علي
نجاة الملك ، وكان الدعاء في
مساجد فلسطين بالشفاء للملك ،
إلي جانب أن إمام المسجد الأقصي
الشيخ مصطفي الأنصاري أرسل
برقية إلي كبير الأمناء طالبا
أن يرفع إلي جلالته أصدق عواطف
الابتهاج بسلامته ، وكذلك
ابتهاج أهالي سوريا بشفاء الملك
، إلي جانب برقيات التهاني
من المفوضية المصرية ببيروت
والمفوضية المصرية بمدريد
إضافة إلي البرقيات التي وردت
للاطمئنان عليه من رئيس
الجمهورية التركية ومن الوصي
علي عرش العراق ومن ملك إنجلترا
ومن شاهنشاه إيران ومن ملوك
ألبانيا والمملكة العربية
السعودية ورؤساء سوريا
والبرازيل وشيلي والصين ومن
أمير الكويت وأمير شرق الأردن
ومن امبراطور أثيوبيا .
وطوال
فترة تواجده في القصاصين وحتي
عودته إلي القاهرة في7
ديسمبر لم تتوقف الزيارات إلي
القصاصين ولم تتوقف حفلات
التبرع للفقراء والمحتاجين وهو
ما أفاض الأهرام في وصفه .
ويبدو
أن الذين كانوا حول الملك رأوا
أن الحادث تم استغلاله لصالح
القصر في مواجهة الوفد ،
وعليه كان قرار عودة الملك إلي
القاهرة في7 ديسمبر سنة1943 ،
وفي القاهرة كانت هناك ترتيبات
أخري للاستقبال فيصف لنا مراسل
الأهرام كيف أن القاهرة قد لبست
ثوبا رائعا من الزينات ،
وكيف أن الجماهير بكرت تأخذ
طريقها إلي سراي القبة ،
وكيف أنها ألفت أمواجا متدافعة
متلاحمة من سراي القبة حتي ساحة
عابدين ، وكيف كانت الزينات
ممتدة علي طول الطريق وأقواس
النصر مقامة بين مسافة وأخري
وبجانب كل قوس إحدي فرق
الموسيقي أحضرها الأهلون .
واشتد
ضغط الجماهير في الميادين
الكبري حتي اضطر رجال الجيش إلي
مضاعفة عددهم لحفظ طريق الموكب
الملكي وقد اصطفت قوات الجيش
المصري من مختلف الأسلحة علي
جانبي طريق الموكب الملكي ،
وقد حملت كل أورطة العلم الخاص
بها والفرقة الموسيقية التابعة
لها .
ولاحت
في الجو أسراب طائرات سلاح
الطيران الملكي وكانت تحلق علي
غير ارتفاع ، وقد اشترك مع
هذه الأسراب سرب من طائرات نادي
اتحاد الطيران ، وقد وفد علي
قصر عابدين الأمراء والوزراء
والعلماء والكبراء وكبار ضباط
الجيش وكبار الموظفين وقيدوا
أسماءهم في سجل التشريفات ثم
أخذوا مكانهم في فناء القصر
الداخلي للاشتراك في استقبال
الموكب الملكي .
ويصف
لنا بعد ذلك سير الموكب الملكي
من سراي القبة إلي قصر عابدين
، وكيف كانت حرارة واستقبال
الناس للملك وكيف أن كثير من
الأهالي كانوا ينثرون الزهور في
طريق الموكب الملكي ، وكيف
أن أصحاب بعض المقاهي أعربوا عن
ابتهاجهم فأخذوا يوزعون
المشروبات والمثلجات علي
الجماهير مجانا ، وأنه قد
حلقت فوق الموكب ثلاثون طائرة
بينها سبع وعشرون من قاذفات
القنابل وثلاث أخري تحمل عشرة
الآف علبة من الحلوي وطاقات
الزهور فكانت تلقي هذه الحلوي
والزهور بالباراشوت ، وكيف
أنه عند وصول الموكب إلي قصر
عابدين دوت هتافات الجماهير
التي تدفقت إلي ميدان عابدين
حتي ضاق بها علي سعته .
كان
من الطبيعي بعد كل ما جري طوال
ثلاثة أسابيع أن يعبر الملك عن
شكره لشعبه ومما جاء به :
(
لك الحمد يا ربي لطفت بي في
قضائك ، وغمرتني برضائك ،
فلم تكد تقترب يد الخطر مني حتي
ردها عني جناح من رحمتك وطائف من
حكمتك ، وحقا يا إلهي ما جزعت
للحادث حين وقع إلا خشية حرماني
أن أعبدك وأن أحمدك ، فإن
نعماءك علي لا يكفي معها عبادة
العمر شبابا وكهولة وشيخوخة ،
سبحانك جري علي قدرك وحفظتني
قدرتك ، وأنتم يا أبناء شعبي
لكم بعد الله حمدي وحبي ، فإن
ما أحسسته من وفائكم وولائكم
أثناء ألمي ضمد جرحي وجعل
صحرائي حية وارفة الظلال ، ولقد
تعودت في صحتي أن أطوف ببلادي
لأن هذا واجب الملك ، وما
تصورت في مرضي أن تطوف بي البلاد
هكذا مستفسرة عن صحة مليكها ،
بل ابنها ، فما أنجب وطنا
أنتم أبناؤه ، وما أسعد ملكا
أنتم رعيته ، إن الحادث الذي
وقع علمني أن تعلقي بكم لا يعدله
إلا تعلقكم بي ، ولقد كنت
أشعر أنكم تحبونني لأني أحبكم
فوددت ألا يذاع النبأ حتي لا
تجزعوا ولكنكم سرعان ما علمتم
بما حدث لي ، وسرعان ما علمت
بما حدث لكم وما حدث منكم ، ثم
عدت إلي عاصمة ملكي فرأيت ما
وددت معه لو استحالت أنفاسي
ونظراتي كلمات شكر فإنها وحدها
تستطيع تصوير ما ارتسم في ذهني
وخاطري من معني وشعور ، إن من
أجمل أماني الإنسان أن يري من
يحبه ولقد رأيتكم ، رأيت مصر
كلها فيكم وأحسست مدي ما تشعرون
به يجيش في جوانحي خفقا وفي
خاطري أملا وفي قلبي إيمانا بكم
، يا أبناء شعبي ، إنني ملككم
أملك أن أحبكم ، ولكني لا
أملك شكركم ) .
والمتتبع
للحادث منذ بدايته وحتي وصول
الملك إلي قصر عابدين ، يجد
أن حالة الملك الصحية لم تكن
تستدعي المكوث في المستشفي
العسكري بالقصاصين مدة ثلاثة
أسابيع ، أو بالتحديد22
يوما علي حد قول أحد سكرتارية
الديوان الملكي ، غير أن
الحادث استغله الملك والذين
حوله كي يكتسب المزيد من التفاف
الشعب ، وهو ما تمثل في
الوفود التي ظلت تأتي إلي
المستشفي طوال الفترة المذكورة
وكذا التبرعات التي استمرت حتي
بعد عودة الملك إلي عابدين
للإنفاق علي الفقراء والمساكين
واليتامي والمرضي ، وهذا
الالتفاف جاء خصما من رصيد
الوفد في الشارع المصري ، بل
لا نبالغ إذا قلنا أن ما تم كان
بتدبير وتخطيط محكم ونجح القصر
في حسم الجولة لصالحه .
ــــــــــ
المائده
الملكية يتوسطها الملك فاروق
سنة 1941
دائماً
ما كانت المآدب الملكية ممدودة
وعامرة في رمضان يؤمها رجال
الدولة وعامة الناس بمن فيهم
الفقراء
،
وقد شهد عهد الملك فاروق العدد
الأكبر من هذه الموائد التي
تراوح الغرض منها ما بين
بروتوكول
سياسي
،
وإطعام المساكين الذين سيلهجون
بالدعاء لمولانا ولي النعم
.
علي
أي حال علي
هذه الصفحة الرمضانية القديمة
جداً سنتابع
أماكن وتوقيتات هذه الموائد
الملكية سواء التي التف حولها
كبار رجال الدولة أو طوائف من
عوام هذا الشعب
،
وفي رمضان الذي هل علي المملكة
المصرية في عام ١٩٤١،
تابعت مجلة «المصور» وقائع دعوة
جلالة الملك فاروق لرجال القصور
والخاصة الملكية لمائدة إفطار
رمضانية
،
حفلت بما لذ وطاب
.
أما
عن مكان الدعوة فقد كان في قصر
عابدين
،
ولكن لكي نركب عجلة الزمن
،
لنعيش ونتعايش مع هذه المناسبة
الجليلة نعود لمجلة المصور في
عددها الصادر في الرابع
والعشرين من أكتوبر عام
١٩٤١
م
لنقرأ الوصف التفصيلي لهذه
المائدة
،
تقول مجلة المصور
:
«كان كبار رجال القصر ممن يحظون
بشرف المآدب الملكية في رمضان
،
وكان البروتوكول مقصوراً علي
أصحاب المعالي والسعادة والعزة
،
فلم يغضب جلالته
.
وتفضل
جلالته بإقامة مأدبة عائلية في
قاعة المآدب الكبري بقصر عابدين
نال شرف حضورها أربعمائة موظف
من أكبر درجة أي من أصحاب
المعالي فنازلاً إلي الأفندية
وموظفي الدرجة التاسعة وقد
شملهم جلالة الملك جميعاً بعطفه
الكريم
،
وقد سمح جلالته بالتيسير علي
صغار الموظفين بأن يحضر جميع
المدعوين بالثياب العادية
الغامقة .
وكانت
مأدبة فاخرة قدم فيها شراب
البرتقال والسجائر ثم تلاهما
الأصناف الآتية : حساء ساخن
بالخضر ، حمل بلدي بالخلطة ،
وفاصوليا بالدجاج ، وديك رومي
فاخر بالبطاطس وأرز مع لبن
زبادي ، وحلاوة بالقشدة وخُشاف
وفواكه وقهوة ، وقد أكل
الموظفون هنيئاً مريئاً ونعموا
بالعطف السامي ، والرعاية
الكريمة ، وكانت هذه المأدبة
مظهراً جميلاً وقدوة حسنة
للرؤساء فيما يجب أن يكون بينهم
وبين مرؤسيهم كباراً وصغاراً من
عطف وتعاون ورعاية وجو عائلي .
ولم
يشأ صاحب الجلالة أن يحرم من هذا
العطف جميع من يتشرفون بخدمة
السراي ، فظفر الخدم والسائقون
والجناينية بنفس الطعام الذي
أكل منه الملك .
ــــــــــ
إذاعة
رسالة حضرة صاحب الجلالة الملك
المحبوب إلي شعبة المخلص ،
ليهنئهم بحلول شهر رمضان
المبارك ، خرجت تلك الكلمات من
المذياع .
«شعبي
المحبوب.. الليلة نستقبل شهر
رمضان المبارك فرحين بما آتانا
الله من نعمة الدين وعزة الوطن ،
فإليك الكريم تهنئة صادرة عن
قلب يفيض إيمانا بالله ، وحبا
لرسوله ، ورعاية لك وثقة بك ،
وعطفا عليك .
يقول
الله تقدمت ذاته ، وتعالت صفاته
: «يا أيها الذين آمنوا كتب
عليكم الصيام كما كتب علي الذين
من قبلكم لعلكم تتقون» .
وامتثالا
لأمره جل شأنه أذكر نفسي
وإخواني المسلمين بالاعتصام
بالصيام ، ففي الصوم تهذيب
للنفس ورياضة لها علي احتمال
المكاره ، وعلي الصبر الذي هو من
أكبر الأخلاق المقومة لحياة
الأمم ومجدها ، وفيه كف لليد
واللسان عن الطغيان والعدوان
والكذب والبهتان .
وأنه
ليشرح صدري في هذه الليلة
المباركة أن اسأل الله جلت
قدرته أن يمدنا بعنايته ، وأن
يجعل مجهوداتنا القومية مقرونة
بالتوفيق وأن يعلي دينه وأن
يعلي قدر الوطن قدر سبحانه ، نعم
الهادي ونعم المعين .. وسلام
الله وتحيته عليكم أجمعين» .
ما
كاد الناس ينتهون من إفطارهم
حتي خرج من لا يمتلك آلة راديو
إلي المقاهي أو البيوت التي
فيها آلة إذاعة فازدحمت الأماكن
العامة والشوارع القريبة منها
وزادت المقاهي بهذه المناسبة
فجعل الناس ينتظرون بفارغ الصبر
حلول الميعاد المحدد لإعادة
إذاعة الكلمة ، التي تفضل جلالة
الملك بإلقائها في الراديو
مهنئا بها شعبة الوفي بشهر
رمضان الكريم .
وما
كاد المذيع يعلن انتقاله إلي
قصر المنتزه العام ليتفضل جلالة
الملك بإلقاء كلمته ، حتي ساد
هذه المجتمعات صمت عظيم أرهفوا
أسماعهم واتجه الجميع بقلوبهم
وأفئدتهم إلي مصدر الصوت ، وبعد
برهة سمع الناس الصوت الكريم ،
فعم السكون الأرجاء حتي إذا
انتهي جلالته من إلقاء كلمته ،
تعالي هتاف الناس في أنحاء
المدينة بحياة جلالة الملك
الكريم الذي لا ينسي أن يشارك
شعبه في جميع مناسباتهم حفظ
الله جلالة الفاروق وأطال بقاءه
.
ــــــــــ
-
جريدة
المصرى اليوم تاريخ العدد
الاثنين ١ اكتوبر
٢٠٠٧ عدد
١٢٠٥
-
مقالة
بعنوان : الإسكندرانية احتفلوا مع الملك في
«رأس التين».. وبدلوا ليل
رمضان بنهاره
-
كتب
إبراهيم الخضري ١/١٠/٢٠٠٧
عندما
انطلقت قذيفة مدفع الإفطار في
أول أيام رمضان ، سلطت الأنوار
الكشافة علي قصر رأس التين ،
قيدت معالم جماله ، وبعد
الإفطار بدأ الوزراء والكبراء
ورجال الدولة يفدون علي القصر
العامر ليستمعوا ، في أول أيام
الصوم ، إلي القرآن الكريم ، وهو
يذاع من القصر كل عام .
وقد
نشرت مجلة «المصور» في عددها
الصادر بتاريخ ٢٣ يونيو
١٩٥٠
الموافق الثامن من رمضان
١٣٧١هـ ، تفاصيل
الحفل ، وقد أقيم سرادق علي
مقربة من القصر لاستقبال الذين
يريدون أن يستمعوا إلي الذكر
الحكيم ، وقد ذهب سرب من السيدات
إلي السرادق ، رغبة في الاستماع
إلي القرآن ، ولكن قيل لهن إن
التقاليد لا تعرف ذلك ، فاكتفين
بالجلوس علي الحشائش قريباً من
السرادق ، وبعد لحظات أقبل فريق
من جنود الجيش المصري المعسكرين
في ثكنات مصطفي باشا ، علي هيئة
«طوابير» ثم اتخذوا أماكنهم
داخل السرادق ، ويتسع السرادق
لخمسة آلاف شخص ويمتلئ كل ليلة
بأبناء الشعب من مختلف الطبقات .
وقد
أمر جلالة الملك بإقامة مائدة
إفطار ملكية ، دعا إليها
الأمراء والوزراء ورجال الأزهر
والسلك السياسي المسلمين
ورؤساء ووفود جامعة الدول
العربية ، وأقيم سرادق كبير في
حديقة القصر علي قرب من «السلاملك»
ثم تفضل جلالة الملك فصافح
مدعويه بيده الكريمة ، بعد أن
حياهم وهو يدخل السرادق بقوله :
«كل عام وأنتم بخير» ، وقد سمح
لأعضاء وفود جامعة الدول بأن
يشهدوا المائدة بملابسهم
العادية ، فكانت مفاجأة كريمة
لهم ، وفجأة انقلب الجو وهب نسيم
بارد من البحر ، وكان بعض
المدعوين يرتدون ملابس الصيف
الخفيفة ، فأحسوا بهذا التغيير
فأسرعوا بعد الإفطار ينشدون
شيئاً من الدفء .
وإذ
أذن المؤذن أدير علي الحاضرين «شراب
الورد» ووضع النحاس باشا بضع
قطرات من الدواء في كوب ، وقد
تمني له الحاضرون الشفاء .
وبعد
أن انتهي المدعوون من تناول
الإفطار ووقف جلالة الملك ،
وقال لضيوفه : «كل عام وأنتم
بخير ، وأرجو أن تشعروا بأنكم في
بيوتكم» ، وتم انصراف جلالته
وأخذ الحاضرون يتناولون القهوة
والسيجار ، وقد أم الأمير
عبدالكريم الخطابي بعض
المدعوين ، وأم الشيخ أبوالعيون
غيرهم في ركن آخر من أركان
السرادق .
ولم
ينس رجال القصر أولئك الذين
ساروا في خدمة كبار المدعوين
وهم سائقو السيارات ، وأقيمت
لهم مائدة أخري ، يتناولون
عليها الطعام ثم انتقلوا إلي
السرادق ، حيث يستمعون إلي آيات
الذكر الحكيم .
ــــــــــ
-
الملك
فاروق فى السيدة زينب وجامع
عمرو فى الجمعة اليتيمة
-
المصرى
اليوم تاريخ العدد الجمعة
٥ اكتوبر ٢٠٠٧
عدد ١٢٠٩
-
مقالة
بعنوان : المليك مع شعبه فى
الجمعة اليتيمة فى جامع عمر
بن العاص
الملك
فاروق يؤدى صلاة الجمعة
اليتيمة سنة 1941
خرجت
مجلة المصور في الرابع والعشرين
من أكتوبر عام ١٩٤١ ،
وهي تقدم متابعة مصورة للشعائر
الدينية الرمضانية التي شارك
فيها الملك فاروق في يوم الجمعة
الأخيرة من رمضان ، وهي
الاحتفالية التي شاركت فيها
طوائف من الشعب ، ورجال القصر
وأفراد العائلة المالكية ،
رجالا ونساء ، وجاءت التغطية
تحت عنوان «المليك وشعبه في
صلاة الجمعة اليتيمة وكان الملك
فاروق قد أدي صلاة الجمعة في
مسجد السيدة زينب وخرج أهل الحي
لتحية الملك علي جانبي الطريق
وقد وصفتهم المجلة تحت عنوان «الوجوه
المستبشرة» بقولها «خف أهل الحي
الزينبي لاستقبال المليك
والتمتع برؤية موكبه في ذهابه
وإيابه إلي المسجد وها هي طائفة
من سكان الحي ، اصطفت علي الرصيف
تتطلع للموكب الملكي ، وقد
استبشرت الوجوه برؤية مليكها .
ــــــــــ
الجمعة
اليتيمة في رمضان كانت تحظي
باهتمام الملك والشعب وكان آخر
مواكب ملوك مصر بالخيول المطهمة
والعربات الفاخرة ثم أصبحت
المواكب بعد ذلك من السيارات
وحولها الموتوسيكلات وكان
الشعب يخرج للفرجة علي الموكب
الملكي عند افتتاح مجلس النواب
وإلقاء خطبة العرش
وفي
احتفال صلاة الجمعة اليتيمة في
رمضان في جامع عمرو بن العاص
وكما قال عبدالمنعم شميس في
كتاب «القاهرة قصص وحكايات»
إن خيالة الحرس الملكي تتقدم
الموكب وتسير حوله وتتعقبه في
نهايته فرسان مختارون طوال
القامة ويتمتعون بالوجه الحسن
ويحملون علي أكتافهم زرد الحديد
وتقوم ثمانية خيول بجر العربة
الملكية ومع كل حصان يجري سائسه
.
وتكون
العربة مغلقة ولها نوافذ من
الكريستال ويجلس بها الملك فؤاد
وخلفه سعيد باشا ذو الفقار كبير
الياوران ثم تليها عربات رئيس
الوزراء والوزراء والحاشية
الملكية وكان الهدف من حفلة
افتتاح البرلمان بمظاهرها
وفخامتها تريد إقناع الشعب بأن
الملك ديمقراطي والملك كان
يرتدي الملابس الرسمية المذهبة
ويحيي الشعب برفع يده اليمني
إلي حافة طربوشه والطرابيش
الحمراء كانت تزين الموكب حيث
كان يرتديها الضباط والفرسان
علي ظهور خيولهم فتضفي علي
المشهد كله جمالاً رائعا ً.
وتحرك
الموكب من باب القصر عندما يضرب
البروجي ثم ينزل العلم من فوق
السادية إيذانا بخروج الملك ومن
التقاليد أن يرفع العلم فوق
القصر ما دام الملك موجوداً
بداخله وينزل العلم عندما يغادر
الملك .
ــــــــــ
ونشرت
مجلة «المصور» في عددها الصادر
بتاريخ ٣ أكتوبر عام
١٩٤١ بعض الصور التي
التقطتها عدسة المجلة
تصف رحلة أسرة فقيرة للذهاب إلي
المطعم وتناولهم حصتهم من
الغذاء وأخيرا إفطارهم في
منزلهم .
تعليق
المجلة علي الصورة الأولي يبين
وقوف الأسرة أمام المطعم : «أقبلت
الأسرة علي مطعم فاروق وتحمل «الحلة»
الفارغة وتخلف الزوج وطفلاه
ليتسلموا الطعام» ، وفي الصورة
الثانية «نالت الزوجة ملء حلتها
من الخبز وهي ثمانية أرغفة
كاملة» ،
وعلقت
علي الصورة الثالثة : «أثناء
رجوعهم إلي المنزل صارت الأسرة
في طريقها إلي المنزل والزوجان
فرحان وقد فضلت الزوجة أن تحمل
الطعام كله بدلا من أن ترهق
طفلها بحمل الخبز في السلة
الفارغة المعلقة بيده» .
وفي الصورة الأخيرة كانت للأسرة
وهي تتناول طعام الإفطار بعد
وصولهم إلي دارهم وانطلق المدفع
مؤذنا بساعة الإفطار ويأكلون في
سرور .
ــــــــــ
في
أحد أيام الأسبوع قبيل
موعد الإفطار بقليل فوجئ
آل سلطان بزيارة صاحب
الجلالة الملك فاروق
قادما بسيارته الخاصة
وكان يسوقها بنفسه وأبلغ
الخبر في الحال إلي
ربة المنزل صاحبة العصمة
عنايات هانم سلطان .
وطاف
جلالته بغرف الدار مشاهدا
ما فيها من تحف ثمينة
ولوحات قيمة حصل عليها
سلطان باشا من أوربا
وتركيا وحان موعد الإفطار
فأمر جلالته الخدم فأحضروا
من سيارته كيسا صغيرا
من الورق به بضع بلحات
أفطر جلالته ثم طلب
كوبا من الماء فشربه
ودعا أصحاب الدار جلالته
لتناول الإفطار .
مولد
سيدي الوفائي :
أقام
حضرة ماهر أفندي حسن
فراج متعهد الصحف والمجلات
بالقطر المصري احتفالا
شائقا في الساعة الثامنة
من مساء يوم السبت
13رمضان سنة 1938 إحياء
لمولد سيدي عبد الرزاق
الوفائي بشارع الوفائي
في الإسكندرية وأعد لذلك
سرادقا فخما فسيحا بجوار
المسجد،وشرف الحفلة
صاحب السمو الأمير عمر
طوسون ولفيف من كبار
رجال الدولة وأحيا الحفلة
المقرئ كامل النجار.
|