هذا الموضوع هو تحليل بسيط لحياة الملك فاروق من الميلاد حتى الوفاة ، قراءه بسيطة تظهر  كيف كان للقدر دورا كبيرا فى حياته ، مجرد فكره بسيطه عن تلك الحياة القصيرة التى عاشها ذلك الرجل الذى كان فى يوم من الايام ملكا لأكبر دولة عربية اسلامية .

عمرو ابو سيف

لميلاد :

عجيب حظ هذا الطفل ، فقد لعبت معه الاقدار دورا كبيرا فى حياته ، ربما لم تلعبه مع شخص مثله ، فبعد ان اراد له الله ان يكون فى تلك المكانه العظيمه سواء حسبا ونسبا ، او مكانة وجاه وعزا ... ولما لا ... وهو فاروق ابن الملك فؤاد ابن الخديوى اسماعيل ابن ابراهيم باشا ابن محمد على باشا الكبير مؤسس الاسرة العلوية وبانى مصر الحديثة .  

 

 

شرف عظيم وعصب اعظم لمن ينتسب الى تلك الاسرة العظيمه التى حكمت مصر على مدار خمسة عشر عقدا من الزمان ، حكمت مصر حكما حقيقيا ، حكما لاتزال اثاره باقية الى يومنا هذا فى مصرنا العظيمه ، تلك الاثار التى هى نتاج حكم تلك الاسرة العظيمه بأختلاف حكامها وسلاطينها وملوكها .

وقد شاء القدر لهذا الشاب الصغير ان يكون ابنا لتلك الاسرة ، بل وان يحمل على عاتقه مسئولية هذا التاريخ الطويل الملىء بالاحداث ، بدأ من حروب محمد على باشا التوسعية ، ونهاية بما يسمى ثورة يوليو .

والمتتبع لرحلة هذا الملك الشاب سيكتشف كيف كان القدر واقفا له بالمرصاد .  

 

عودة مبكرة :

 

فاروق لدى عودته من بعثته الدراسة فى انجلترا

 

بينما كان الامير الشاب فى رحلة دراسية فى لندن لكى يؤهل نفسيا وعلميا لكى يتولى المسئولية الكبيرة التى ستلقى على عاتقه فى يوم من الايام ، وبينما هو فى تلك المرحلة يموت والده فؤاد ملك مصر ، فكأنما اراد القدر للامير الشاب ان يتوقف فى تلك اللحظه عن استكمال تلك المرحلة الهامة فى حياته ويبدأ رحلة العودة الى مصر ولكن قبل ان ينهى دراسته ، ولكن شتان مابين رحلة الذهاب ورحلة العودة ، فرحلة الذهاب كانت للدراسة والتجول واكتساب معارف جديده ، اما رحلة العوده فكانت لحمل عبء ثقيل وكبير .

فيعود الملك الشاب الى مصر وهو دون السابعة عشر من عمره ولم يكمل فترة دراسته ، لتكون تلك الواقعة اول مفارقات القدر للملك الشاب .

ويعود الامير الشاب ويستقبل استقبالا عظيما ، استقبالا يليق بملك المستقبل وبأول ملك مصرى من اسرة محمد على .

ولكن يشاء القدر ان يكون سن الامير الشاب لايزال دون السن التى تسمح له بتولى عرش مصر ، فيتم اللجوء الى طريقة احتساب عمره بالعام الهجرى ليتم بذلك الامير الشاب السن المناسب لتولى حكم مصر لتكون تلك الواقعة ثانى مفارقات القدر للملك الشاب .  

 

تحمل المسئولية :

 

فاروق امام البرلمان بعد توليه المسئولية

 

ويتولى الملك الشاب حكم مصر ، وهو فى هذه السن الصغيرة ، ولايملك من الخبره مايؤهله لتلك المهمه الجسيمة ، وكأنه انسان القى به فجأة فى بحر عميق وهو يجهل السباحة .

وكان حب الشعب المصرى للملك الشاب جارفا فى تلك الفترة ، فقد كان املا كبيرا للشعب ، ويرى فيه انه الامل الذى طال انتظاره ، وكان الملك الشاب يشعر بحب شعب مصر ، وكان الملك يبادل الشعب ايضا ذلك الحب .

 

اصعب المواقف السياسية :

 

ونأتى هنا ايضا للحادث الذى لعب دورا كبيرا فى حياة الملك فاروق السياسية ، وهو مايطلق عليه حادث 4 فبراير سنة 1942 ، فقد كان هذا الحادث من اكبر المواقف السياسية المؤثره فى حياة الملك الشاب ، اذ انه فى هذا الحادث كان قاب قوسين او ادنى من ان يتنازل عن عرش مصر ، حين اجبره السفير البريطانى لدى مصر انذاك ( السير لايز لامبسون ) على استدعاء ( مصطفى النحاس باشا ) زعيم حزب الوفد فى ذلك الوقت ، وتكليفه برئاسة الوزارة ، رغما عنه ( الملك ) حيث كان الملك فاروق رافضا ذلك رفضا شديدا ، وذلك لضيقه من ( الوفد بشكل عام ) ومن ( مصطفى النحاس باشا بشكل خاص ) ، وقد قامت الدبابات الانجليزية يصاحبها عدد كبير من الجنود والبريطانيين بمحاصرة قصر عابدين كوسيلة للضغط على الملك الشاب وارهابه ، وكل ذلك من اجل الضغط على الملك لتكليف ( مصطفى النحاس باشا ) بتشكيل الحكومة .

وانتهى ذلك الموقف النهايه المعروفه ، وهى قبول الملك فاروق بأستدعاء ( النحاس باشا ) وتكليفه بتشكيل الحكومة ورئاستها .

وقد كانت لتلك الحادثة اثرا سيئا على الملك فاروق بل وعلى الكثير من المصريين فى ذلك الوقت ، اذ شعر الكثيرين منهم بخزى ومهانة كبيره جراء هذا الموقف ، وقد تم عرض موضوع عن حادث 4 فبراير فى موضوع مستقل .

 

الملكة الام والضربة القاضية :

 

الملك فاروق والملكة نازلى صاحبة الضربة القاضية فى حياته

 

 وتأتى الصدمة الكبرى للملك ، والتى اعتبرها من وجهة نظرى اكبر صدمة تلقاها الملك فاروق فى حياته ، والتى لعبت دورا كبيرا فى زعزعة عرش الملكية فى مصر ، ولو بطريق غير مباشر ، الا ان هذه الصدمة جاءت له من اقرب الناس اليه ، وهى والدته ( الملكة نازلى ) ، فقد نسيت ( نازلى عبد الرحيم صبرى ) ابنة ( عبد الرحيم باشا صبرى ) الذى كان يشغل منصب وزير الزراعة ، وحفيدة ( سليمان باشا الفرنساوى ) الذى جاء لمصر مع الحملة الفرنسية واعتنق الديانة الاسلامية ، ثم اصبح قائدا ومدربا للجيش المصرى  ، ونسيت ايضا ( الملكة نازلى ) انها كانت زوجة الملك فؤاد الاول ملك مصر السابق ، وانها والدة الملك فاروق ملك مصر والسودان ، نسيت كل هذا وعاشت حياتها مثلها مثل اى شخص يتصرف بدون عقل او ادراك ، فأتت بكل فعل من شأنه ان يدق مسمار فى عرش الملكية فى مصر ، وفى قلب ابنها واسرتها ، بدأ من ملاحقتها لشاب فى عمر ابنها ويعمل فى وظيفة تشريفاتى فى قصر عابدين ومرورا بأخرين ، ووصولا بأحمد باشا حسنين وزواجها منه فى النهايه بشكل مهين للملك ولها هى شخصيا ، وانتهاء بسفرها اوروبا وصولا لنهايتها هى والاميرة فتحية فى امريكا .

فبعد وفاة احمد حسنين باشا فى حادث سيارة فى 19 فبراير سنة 1946 ، قررت ( الملكة نازلى ) ان تسافر فى رحلة الى اوروبا بهدف العلاج والترفيه ، وقد كانت تلك الرحلة بداية لحدث كبير سيزلزل عرش الملك فاروق وسيكون من اكثر المواقف المؤلمه والمؤثرة على الملك فاروق ، فقد حدث انه واثناء وجود الملكة الام والاميرة فتحية والاميرة فائقة فى مارسيليا ان كلفت القنصلية المصرية هناك الشاب رياض غالى ( القبطى الديانة ) ، والذى كان يعمل انذاك امينا للمحفوظات بالقنصلية ، كلفته بأن يكون مرافقا للملكة نازلى والاميرات ، وبأن يكون هو القائم على خدمتهم ورعايتهم .

ولكن ولأن القدر يقف بالملك فاروق بالمرصاد كعادته منذ ولادته ، فقد شاءت الظروف ان تتعلق الملكة الام بذلك الشاب ، ضاربة بكل القيم والمبادىء الانسانية التى من المفروض ان يتحلى بها اى شخص عادى ، فبما بالنا وتلك السيدة ليست سيدة عادية ، بل وهى كما سبق وذكرت ملكة سابقة لمصر ووالدة ملك مصر ، وطبعا باقى القصة معروفة جيدا وقد سبق الحديث عنها بشكل مفصل فى موضوع مستقل .

ويتلقى فاروق تلك الصدمة والتى تركت به اثرا كبيرا اتصور انا شخصيا انه ظل ملاصقا له الى ان توفاه الله ، بالاضافه الى كونه ظل نقطة سوداء فى تاريخ تلك الاسرة .  

 

الحلم بولى العهد والطلاق الاول :

 

الملكة فريدة وبناتها الثلاثة وولى عهد لم يأتى

 

ظل الملك فاروق طوال حياته منذ ان تزوج من الملكة فريدة فى 20 يناير سنة 1938 الى ان وقع الانفصال بينهم ثم الطلاق فى 19 نوفمبر سنة 1948 ، ظل يحلم بطفل ولد ، ليكون وريثا من بعده على عرش المملكة المصرية ، الا ان القدر ايضا ظل يمارس معه لعبته الشهيرة ، فأراد الله ان يرزقه بثلاث بنات ، متحديا بذلك رغبة الملك الشاب فى وريث يحفظ لسلالته عرش المملكة المصرية .

وارى ان ذلك ايضا من الاسباب الاساسية التى ربما كانت وراء وقوع الطلاق بين الملك فاروق والملكة فريدة ، وليس الخلافات الاخرى المعروفة بينهما ، والتى اتصور انه لو كان الله قد رزق فاروق بطفل ذكر من الملكة فريدة لربما كان الامر قد اختلف كثيرا جدا ، بل وربما كان ذلك سيكون له اثرا ايجابيا على حياة الرجل ، ولكنها كانت تلك مشيئة القدر وارادة الله سبحانه وتعالى .

 

امل تحقق :  

 

الملك فاروق والملكة ناريمان وولى العهد المنتظر

 

تزوج الملك فاروق من الملكة ناريمان فى 6 مايو سنة 1951 ، وكأنما القدر اراد ان يبتسم للملك فاروق ، فقد اراد الله سبحانه وتعالى ان يرزق من الملكة ناريمان بأول ولد ذكر ، ذلك الولد الذى ظل فاروق ينتظره طويلا ، والذى بوصوله سعد الملك فاروق سعادة لاتوصف ، فقد تحقق حلمه وامله فى ان يكون له وريثا للعرش ، والذى سيضمن له ان يظل حكم مصر فى اسرة الملك فؤاد ، كما اشارت جميع الصحف والمجلات التى تصدر الى ذلك الخبر ، معبرة عن سعادة الشعب المصرى ، وابتهاجا بوصول اول مولود للملك فاروق ، وبدأ الملك فاروق يعيش بعض الايام السعيدة فى حياته المليئه بالصراعات والالام .

 

تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن :  

 

الملك الصغير والتنازل عن العرش

 

ولكن ... واه من لكن هذه ، اذ يبدو ان القدر قد تراجع عن ابتسامته مع الملك فاروق ، اذ لم تدم سعادة الملك فاروق كثيرا ، فبعد مرور عشرة ايام فقط من من مولد ( الامير فؤاد ) اندلعت احداث القناة من خلال مواجهات شرسة بين قوات الاحتلال ورجال الشرطة المصريين فى الاسماعيلية ، وفى اليوم التالى احترقت القاهره لتقلص فرص الولى فى ان يعتلى عرشة من بعد ابيه ، بل والاكثر من ذلك فقد وصل البعض الى اتهام الملك فاروق شخصيا بالضلوع فى ذلك الحادث ، وبعد خمسة شهور فقط من مولد ( الامير احمد فؤاد ) قامت حركة يوليو لينجح رجالها فى اخراج الملك فاروق من مصر على متن يخته المحروسة ، مع موافقة الثوره على ابقاء احمد فؤاد الذى استمر ملكا رضيعا تحت الوصايه حتى اعلان قيام الجمهورية فى 18 يونيو 1953 .

وبالفعل يخرج الملك فاروق من مصر حاملا معه طفله الصغير الذى طال انتظاره طويلا ، من اجل تحقيق امل لم يتحقق .  

 

الطلاق الثانى :  

 

ويعيش فاروق فى المنفى مع زوجته ( ناريمان ) وبناته ( الاميرات ) والامير الصغير ( احمد فؤاد ) ، ولا تمر فترة صغيرة حتى تطلب الملكة ( ناريمان ) الطلاق ، وبالفعل تترك الملك فاروق فى المنفى ومعه بناته الاميرات والامير الصغير وتعود الى مصر ، ثم تحصل على الطلاق بعد ذلك فى سنة 1954 بعد زواج لم يدم سوى اربعة سنوات الا ثلاثة اشهر .

 

الوفاة والمقر الاخير :  

 

 

وتتوالى الاحداث فى المنفى بعد ذلك ، ويعيش الملك فاروق فى منفاه متنقلا بين ايطاليا وسويسرا ، ومعه بناتة وولده الصغير ، الى ان يتوفاه الله فى ليلة 18 مارس من عام 1965 ، ليعود بعد ذلك ليدفن فى مصر بعد رفض من الحكومة المصرية ، ويدفن فى احد المدافن ، ثم يعود بعد عدة سنوات لتتحقق رغبته فى ان يدفن بجوار والده واسرته فى مدافن الاسرة العلوية بمسجد الرفاعى ، وكأنما اراد القدر ان يبتسم له ويحقق له امنيته فى ان يدفن فى المكان الذى قد اختاره من قبل ، ولكن حتى تلك الامنيه لم تتحقق له ايضا الا بعد مماته بعدة سنوات .  

 

 

هكذا كان قدر الملك فاروق من ميلاده حتى مماته ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net