يخت
المحروسة .... 144 عاما من الابحار فى
ذاكرة الامة
اقدم
يخوت العالم وعلى متنها دونت
فصول من تاريخها
داليا
عاصم - الاسكندرية
ساكنا
أمام قصر رأس التين العريق
بالإسكندرية
،
يرسو يخت «المحروسة» من رحلات
طويلة شقها في بحار التاريخ
،
يحمل على كاهله ذكريات وسجلا
حافلا للحظات الفرح والألم في
عقود عديدة من تاريخ البلد التي
يحمل لقبها
.
تعود
قصة بناء اليخت «المحروسة» إلى
عام 1863 حين أمر الخديوي إسماعيل
بإنشائه ، وأسندت المهمة لشركة
«سامودا» بلندن ، وتم الانتهاء
منه في أبريل عام 1865 ، وكان طوله
411 قدما وعرضه 42 قدما وحمولته 3417
طنا ، ويسير بالبخار بوقود
الفحم بواسطة «طارات» جانبية
بسرعة 16 عقدة في الساعة ، وله
مدخنتان ومسلح بثمانية مدافع من
طراز «أرمسترونج» ، استلمه
الطاقم البحري المصري في أغسطس
1865 وتم الإبحار به من ميناء لندن
في شهر أغسطس 1865 عبر نهر التايمز
إلى ميناء الإسكندرية بمصر .
طوال
السنوات التي احتضنت فيها مياه
مصر يخت «المحروسة» ، ظل غير
متبرم من حمل ملوكها وسادتها ،
وكان شاهدا أمينا على أحداث
تاريخية كبرى .
ففي
عام 1867 استخدم اليخت في نقل
الحملة المرسلة لإخماد الثورة
بكريت ، كما سافر على متنه
الخديوي إسماعيل عام 1868 لحضور
المعارض المقامة بباريس ، وكان
رفيقه أيضا عام 1869 لميناء
مرسيليا بفرنسا لدعوة ملوك
وأمراء أوروبا لحضور حفل افتتاح
قناة السويس .
«المحروسة»
كان له السبق كأول عائمة بحرية
في العالم تعبر قناة السويس عام
1869 وعلى ظهره الملوك والأمراء ،
ومنهم الإمبراطورة أوجيني
إمبراطورة فرنسا وزوجة نابليون
الثالث ، وأمير وأميرة هولندا
وإمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف
، وولي عهد ألمانيا الأمير
فريدريك ، وحينها أهدت
الإمبراطورة أوجيني «بيانو»
أثري للخديوي إسماعيل ، كان قد
صنع خصيصا للإمبراطورة في «شتوتغارت»
بألمانيا عام 1867 ، وعزفت عليه
بنفسها على ظهر اليخت ، وما زال
موجودا حتى الآن بنفس حالته
الأصلية .
وأدخلت
تعديلات عديدة على «المحروسة»
غيرت من معالمه أبرزها عام 1872
عندما أرسل إلى لندن لزيادة
طوله 40 قدما ، وبعدها اصطحب
الخديوي إسماعيل بعد عزله عن
العرش عام 1879 إلى نابولي في
إيطاليا .
وفي
عام 1894 تم تغيير الغلايات بورشة
«حسبو» بك بالإسكندرية ، وفي
عام 1905 تم تعديل الشكل الخارجي
وتطوير وسائل الدفع بترسانة
إنجلترا ، حيث تم نزع «الطارات
الجانبية» لتحل محلها «الرفاصات»
وزود بأحدث توربينات بخارية في
العالم .
كما
تم تزويده بالتلغراف عام 1912 ،
وفي عام 1919 عاد اليخت إلى
إنجلترا لدخول الحوض بميناء «بورت
ثموث» لتغير وقود الفحم إلى
مازوت وتمت إطالة اليخت 27 قدما
من المؤخرة ، وفي الفترة من عام
1949 تم تطوير وتعديل اليخت
بالترسانة البحرية بـ «جنوه» في
إيطاليا ليصبح عام 1952 من أحدث
اليخوت .
ومن
بين الأحداث التاريخية المهمة
التي كان المحروسة شاهدا عليها
، حمله لشاه إيران السابق محمد
رضا بهلوي وهو في طريقه لعقد
قرانه على الأميرة فوزية شقيقة
الملك الراحل فاروق عام1939 .
أما
أبرز الأحداث التي سجلتها ذاكرة
المحروسة فكانت لحظة رحيل الملك
فاروق عن مصر إلى إيطاليا في 26
يوليو عام 1952،
بعد تنازله عن حكم مصر لابنه
الأمير أحمد فؤاد الثاني ،
مصطحبا بناته الأميرات معه
ليعشن بعيدا عن أمهن الملكة
فريدة والتي كانت تخشي السفر
لروما لرؤية بناتها خوفا من
فقدانها الجنسية المصرية .
وفور
عودة اليخت إلى مصر تم تغيير
اسمه ليصبح «الحرية» حيث شارك
في عهد الرئيس جمال عبد الناصر
عام 1956 في العديد من الرحلات
البحرية التاريخية وسافر على
ظهره الرؤساء خروشوف وتيتو ،
كما شارك في مؤتمرات باندونج
وبريوني والدار البيضاء
واللاذقية لدول عدم الانحياز ،
ومن بين رؤساء مصر ، كان السادات
الأكثر تعلقا بالمحروسة ومن
أشهر الرحلات التي صاحبه فيها
رحلته إلى يافا لتوقيع اتفاقية
السلام مع إسرائيل ، وقبلها حضر
على متنه الافتتاح الثاني لقناة
السويس في 5 يونيه 1975، كما شارك
اليخت في المناورة البحرية عام
1974 وعلى متنه العاهل السعودي
الراحل الملك فيصل ، وصعد على
متنه أيضا الملك خالد والملك
حسين والسلطان قابوس ، وقد
استخدم اليخت خلال الفترة من 1955
حتى 1973 لتدريب طلبة الكلية
البحرية المصرية .
يتكون
المحروسة من خمسة طوابق ، يضم
الطابق السفلي الماكينات
والغلايات وخزانات الوقود ،
بينما يضم الطابق الرئيسي غرف
الجلوس ، المطابخ ، المخازن ،
الجناح الشتوي ، والقاعة
الفرعونية إضافة إلى جناح
الأمراء والأميرات ، أما الطابق
العلوي الأول فيحتوي على
المقدمة ، والمخطاف ، والأوناش
، وصالة الطعام وصالة التدخين ،
ويضم الطابق العلوي الثاني سطح
المدفعية ، والحديقة الشتوية
والصيفية ، والجناح الصيفي
والصالة الزرقاء ، فيما يضم
الطابق العلوي الثالث الممشى
والعائمات ، ويضم اليخت أربعة
مصاعد منها المصعد الخاص
بالجناح الخصوصي ، كما يوجد «جراج»
خاص لسيارة الملك ,
يعد
«المحروسة» أحد القصور الملكية
العائمة ، بما يحتويه من نقوش
وزخارف ولوحات زيتية لأشهر
الرسامين العالميين ، إذ سجلت
فيه كل حضارات مصر عبر العصور
المختلفة ، سواء الفرعونية ،
واليونانية الرومانية ،
والعربية الإسلامية ، كما يحتوي
على مشغولات فضية وكريستالات
وليموج (خزفيات) وصيني وسجاد
يرجع تاريخه إلى القرن الثامن
عشر .
قطع
اليخت خلال تاريخه البحري مسافة
تقارب النصف مليون ميل بحري
أثناء رحلاته ، سواء في المياه
الإقليمية أو البحار والمحيطات
المختلفة ، وتوالى على قيادته
حتى الآن 40 قائدا بحريا أولهم
الأميرالاي فردريك بك ، وتلاه
عدد من أمراء البحار وآخرهم
عقيد بحري أشرف سرور .
ويعتبر
يخت «المحروسة» ( سمي بـ«الحرية»
بعد ثورة يوليو 1952 ) واحدا من
أكبر اليخوت في العالم بعد
اليخت الخاص بالشيخ محمد بن
راشد آل مكتوم ، حاكم إمارة دبي
، والذي يبلغ طوله 525 قدما .
وعلى
الرغم من مرور 144 عاما على تدشين
«المحروسة»، ما زال شبابه
متجددا، وبحسب العديد من
الخبراء فإنه يحتفظ بقدرته على
الإبحار ، بل نال دفقة من
النجومية ، جددت ذكرياته
القديمة مع عرض مسلسل الملك
فاروق الذي قام ببطولته الفنان
تيم الحسن ، وهو ما فتح فضول
الجمهور لطلب زيارته فسمحت
القوات البحرية المصرية بذلك
بعد أخذ التصريحات اللازمة ،
فيستطيع الزائر الآن أن يتجول
على متنه ويستمع لشرح كامل
لتاريخه ويزور حجراته
وصالوناته ليستعيد عبق تاريخ
مصر .
|
|
المحروسة
سنة 2005 بالاسكندرية
|
|
المحروسة
سنة 1994 بالاسكندرية
|
|