زوجة
الخديوى تصف حفل زفاف ابنة احد
البشاوات
عبد
المنعم عجيمى
مذكرات
(
الأميرة جويدان ) زوجة الخديو
عباس حلمي الثاني الذي
تولي
حكم مصر في الفترة من 1892 إلي 1914
مليئة
بموضوعات
اجتماعية نادرة منها :
وصفها
لما يدور داخل
القصور
الخديوية من عجائب وغرائب ، وفي
هذا المقال نتركها
تصف
لنا الأفراح والاستعدادات التي
تتم بشأنها في مصر
فتقول
:
(
لا توجد أمة في العالم تتفنن في
إقامة أفراحها
كما
يفعل المصريون فإنهم لا يدخرون
شيئاً من أسباب
السرور
والانشراح إلا أدخلوه في
أفراحهم مهما كلفهم هذا ) ، كما
وصفت حفل زفاف لعروس كانت قد
دعيت إليه ،
فذكرت
أن العروس كانت ابنة لأحد
الباشوات وسنها لا يزيد
علي
الثالثة عشرة أي أنها لاتزال
طفلة وعريسها لم يتجاوز
الثامنة
عشرة وغالباً كانت العروس لا
تعرف عن خطيبها شيئاً ولا تراه
إلا خلسة من وراء ستار نافذة
شبكة
بالحديد
، لذلك فلم تكن هناك عاطفة تجيش
في صدر الفتاة
نحو
ذلك الغريب الذي أصبح زوجها ،
إنه سينقلها فقط من دور
الفتاة
إلي دور الزوجة ، بينما يبقي
الجو الذي سيحيط بها
دون
تغيير عن الجو الذي أحاط بها في
بيت والدها ،
فالنوافذ
مغلقة والأبواب موصدة ، وغاية
ما هنالك ربما
تتبدل
وجوه الخدم والجواري .
ثم
تشرح ( الأميرة جويدان )
الطريقة
التي استقبلها بها أهل العروس
حيث استقبلتها علي
رأس
السلم أم العروس وأم العريس
وبعض المدعوات اللاتي قمن
بتقبيل ثوبها كأحد مظاهر
الترحيب والسلام ، وعندما قدمت
القهوة
كانت التقاليد تقضي بأن تكون
زوجة الخديو هي
البادئة
بشرب القهوة ، ثم يأتي بعدها
المدعوات ، وبعد أن
شربت
القهوة أرادوا إحضار العروس
لرؤيتها ولكنها ذهبت إليها
بنفسها إكراماً لليلتها
السعيدة ، فوجدتها جالسة
علي
مقعد عال كالتمثال المعروض ،
وكانت النساء يدعين
الله
أن يقيها شر الحسد والعين
الحاقدة .
أما
عن الهدايا
المقدمة
للعروس فكانت تشمل في معظمها
أحجاراً كريمة معروضة في
غرفة خاصة فيها سرير العرس وهو
سرير فاخر لا
يستعمل
إلا ليلة العرس ، ثم يحفظ بعد
ذلك كتذكار جميل
لتلك
الليلة السعيدة ، أما عن زفة
العروس فكان يشارك فيها
الراقصات
العاريات الأجسام تقريباً ،
وكانت أجسامهن تتلوي
علي
نغمات الموسيقي ثم يقتربن
برؤوسهن من الزائرات وينظرن
إليهن
بتوسل حيث كانت الهوانم يلصقن
الذهب في وجوههن ،
أما
عن أغرب الهدايا التي قدمت لها
في هذا الحفل فتذكر
(
الأميرة جويدان ) أن زوجة أحد
الوزراء انحنت أمامها
قائلة
( يا صاحبة السمو.. لقد عجزت عن
اختيار هدية تعجب سموكم ،
فعندكم كل ما تشتهي الأنفس،
وليس لي إلا أن
أقدم
لكم أعز شيء عندي ) ، فقدمت لها
طفلها الذي يبلغ
من
العمر خمس سنوات حقاً أنه لشيء
عجيب ، ورغم حيرة
الأميرة
في الأمر ، فقد أخذت الطفل شاكرة
دون أن تعرف
ماذا
تفعل به ولا تتصور أن الأطفال
تدخل في باب الهدايا ،
ولما
علم الخديو بالأمر استاء مما
حدث ، فقد أصبح الطفل
عبئاً
ثقيلاً عليه ، ولم يدر كيف يتخلص
من هذا الموقف
إلي
أن أنقذ الطفل نفسه ، فبعد ثلاثة
أيام امتنع عن
الطعام
وأكثر في البكاء طالباً أمه ،
فتم إعادته إليها
ومعه
عربتان محملتان بالهدايا .
وهكذا
قدمت لنا ( الأميرة
جويدان
) نموذجاً لما كان يحدث في حفلات
زفاف كبار القوم في مصر في أواخر
القرن التاسع عشر ، ولاشك أن
الأمور
حالياً قد تغيرت إلي حد كبير ،
فسن الزواج
ارتفع
، وأصبحت العروس تعرف عن خطيبها
الكثير قبل
الارتباط
به ، وربما هي التي تقوم
باختياره في بعض
الأحيان
، كما أن النوافذ أصبحت الآن
مفتوحة علي مصراعيها
حتي
تستطيع الفتاة أن تشاهد ما تشاء
، وبالنسبة لتقبيل
الثوب
كأحد مظاهر الترحيب بالضيف
فأصبح عادة منقرضة أما عن
السرير
الفاخر الذي لا يستعمل إلا في
ليلة العرس فقط فأصبح في خبر كان
، وبالنسبة لزفة العروس وقيام
المدعوات بلصق
العملة
الذهبية علي وجوه الراقصات فقد
انقرضت هذه الطريقة
سواء
كانت بلصق العملة الذهبية أو
الفضية ، وأما عن أغرب
الهدايا
التي قدمت بأن تقوم إحدي النساء
بإهداء طفلها إلي
الأميرة
فأصبح شيء لا يصدقه عقل ، لقد تغيرت الأمور بالشكل الذي نراه
الآن ، وأصبح ما حدث أيام زمان مجرد ذكري ، فسبحان مغير الأحوال .
تاريخ
العدد : 15/11/2010
|