البرنس حليم باشا الذى فقد عرش مصر

 
عبد المنعم عجيمى

بعد انتصارات محمد علي الرائعة علي الدولة العثمانية في بلاد الشام ووصول القوات المصرية إلي الحدود الفاصلة بين المتحدثين بالعربية والتركية ، خشيت الدول الأوروبية من تصاعد نفوذ محمد علي مما يؤثر علي مصالحها ، فتم عقد مؤتمر في لندن في 15 يوليو 1840 للاتفاق علي كيفية الحفاظ علي الدولة العثمانية وتقليص نفوذ محمد علي ، وانتهي الأمر بإجباره علي الانسحاب حتي حدود مصر علي أن تكون وراثية له ولأسرته ، وفي أعقاب ذلك صدر الفرمان السلطاني في 19 أبريل 1841 بأن يعطي محمد علي ولاية مصر وأن تكون وراثية في أسرته من بعده علي أن يتولي حكم مصر بعد وفاته أكبر أفراد أسرته من الذكور سناً دون النظر إلي قربه منه ، فإن كان حفيده أكبر من ابنه ، فالعرش للحفيد أولاً ثم لابنه ثانيًا ، وقد حدث ذلك فعلاً فتولي إبراهيم ابن محمد علي الحكم في حياة أبيه وبعد وفاته تولي عباس الأول حفيد محمد علي الحكم ، ثم تبعه سعيد باشا ابن محمد علي ثم إسماعيل ابن إبراهيم ، ولما تولي إسماعيل الحكم حاول تغيير هذا النظام لتصبح ولاية العهد في أكبر أبنائه ، وليس في أكبر أفراد الأسرة ، وقد نجح في ذلك بعد أن أنفق العديد من الأموال والهدايا وبذل الكثير من الجهود حتي أصدر السلطان فرماناً في 27 مايو  1866 يقضي بجعل ولاية مصر وملحقاتها وراثية في أكبر أبناء إسماعيل .

ولما كان البرنس حليم ابن محمد علي ، وهم إسماعيل هو الأحق بولاية العرش طبقاً للفرمان الأول ، فقد احتدم الصراع بينه وبين إسماعيل مما جعل الخديو  يضيق عليه الخناق ، ويطالبه بمغادرة مصر ، ولما رفض طلبه اتهمه بالتآمر ضده ، وأصدر أمراً بإبعاده عن الديار المصرية ، كما أجبره علي بيع جميع أملاكه له ، وألا تطأ قدمه أرض وادي النيل ، ونتيجة لذلك غادر البرنس حليم مصر إلي الآستانة .

وبعد عزل إسماعيل في عام 1879 رغب السلطان العثماني إعادة نظام الوراثة الأول وتولية البرنس حليم ، ولكن إنجلترا وقفت له بالمرصاد وطالبته باتباع فرمان عام 1866 ، مما جعل السلطان يصدر قراره بتولية الخديو توفيق ، ومع ذلك فإن البرنس حليم لم يفقد الأمل في اعتلاء عرش مصر ، حيث كان يعتقد أنه أحق من توفيق في تولي هذا المنصب ، فانتهز فرصة قيام الثورة العرابية فحاول استغلال رجالاتها للوصول إلي الحكم ، فجند بعض أتباعه للاتصال بالعرابيين ، وترويج أفكاره بينهم ، وإظهار أحقيته في عرش مصر من توفيق ، وكان من هؤلاء الصحفي ( يعقوب صنوع )  صاحب جريدة ( أبو نضارة زرقاء ) الذي قام بالدعاية له عن طريق جريدته والمسرحيات التي كان يؤلفها والشائعات التي كان يرددها ضد توفيق ، مما ضايق الخديو وجعله يرُد علي هذه الشائعات بالمثل موضحاً أن حليم مشكوك في دينه ، ولما عرض الأمر علي عرابي ، كان له رأي آخر وهو التخلص من أسرة محمد علي بأكملها ، ولكيينال حليم موافقة العرابيين علي تعيينه خديو لمصر بدلاً من توفيق حاول التقرب من عرابي ورجاله ، ومع أن عرابي لم يكن مشجعاً لذلك ، فإنه استغل الأمر للضغط علي الخديو موضحاً أنه لم يستبعد فكرة استبدال حليم بتوفيق إذا اضطرته الظروف الدولية لذلك ، فكان تعيين حليم هو أحد البدائل أمامه ، وورقة سياسية يمكن استغلالها ، وبعد استقالة البارودي من الوزارة وموافقة الخديو علي المذكرة المشتركة كتب العرابيون عرائض لتوقيع الأهالي عليها بخلع توفيق وتولية البرنس حليم ، ولما تطورت الأمور بين عرابي والخديو هدد العرابيون باستدعاء البرنس حليم ليحل مكان الخديو توفيق ، واستمر العرابيون يتخذون من حليم ورقة للمساومة حتي تطورت الأمور بهزيمة الثورة العرابية واحتلال الإنجليز لمصر ، فاستند توفيق علي الإنجليز في تثبيت حكمه ، وأصبح في مأمن من المناداة بعزله ، وبذلك تم حسم الموقف لصالحه ، وابتعد حليم عن الشئون المصرية ، وظل مقيماً في الآستانة حتي أدركته المنية في يونيو 1894، ونقل جسمانه إلي القاهرة حيث دفن في مقابر العائلة الخديوية .

 

 

تاريخ العدد : 15/11/2010

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net