الملك احمد فؤاد ... بعد الاميرة فريال

 

كتب : محمد ثروت

 

 

احمد فؤاد الثانى اخر ملوك مصر يشعر بالانكسار بعد وفاة شقيقته الكبرى ( فريال ) ... يعيش فى مصحة لوزان بسويسرا .. يرفض عودة ( الملكية ) .. ويكرر فريال اخر ماتركه لى والدى الملك ( فاروق ) .

بعد رحيل الأميرة فريال لم يبق من أحمد فؤاد الثانى ، الذى تتصدر صوره كبرى المجلات العالمية المتخصصة فى تتبع أخبار المشاهير ونجوم السياسة والبيزنس والسينما ، سوى مجرد رقم فى مستشفى بمدينة لوزان السويسرية الشهيرة .

 

ماتت فريال وقبلها رحلت والدته الملكة ناريمان فاختفى البريق من عينيه ليصبح أحمد فؤاد الثانى ملك مصر السابق مجرد صفحة مطمورة طواها المنفى وليالى الأحزان الملكية بعد فقد أخته الكبرى ، لم يعد أحمد فؤاد مثل جده محمد على باشا الكبير مؤسس الدولة العلوية وصاحب النظرة الخارقة الرمادية ، فقد تحول فؤاد إلى صورة مطابقة لوالده الملك فاروق الأول والأخير بعد حادثة 4 فبراير 1942 عندما تحول ذلك الملك الشاب نصف الإله المنتصر الذى نام من أجله المصريون على السكك الحديدية ليستطيعوا إيقاف قطاره ورؤيته لبضع ثوان إلى ملك منكسر ثقلت ملامحه شيئاً فشيئاً كأنه ملك النهاية .

 

 

 

صباح أول أمس الأحد علم الأخ أن أخته الكبرى فريال لم تستطع مقاومة سرطان المعدة فازداد انكساراً على انكسار .. من اقترب منه أو جلس معه ولو لمرة واحدة يدرك أن الانكسار سمة نظراته والطبع الغالب على ملامحه .. فهى التى كانت تنفق عليه بعد أن أتت طليقته فضيلة على جميع ممتلكاته .

أسباب كثيرة وراء انكسار آخر ملوك مصر.. كيف لا وهو الذى لم يتمتع بهذا اللقب كثيرا ، فقد حصل عليه وهو ما يزال طفلاً رضعياً عمره ستة أشهر فقط عندما أجبروا والده الملك فاروق على التنازل عن العرش .

( لا تنادينى بصاحب الجلالة كنت ملكاً على الورق فقط ) هكذا قال لى أحمد فؤاد الثانى حينما قابلته فى القاهرة قبل بضع سنوات .. إنها قصة تستحق أن تروى ، بدأت فصولها بمأساة وما زالت نهايتها مفتوحة عند الملك الذى جنى عليه والده وزوجته ، بينما حلف ثوار يوليو باسمه وبايعوه ملكاً لمصر والسودان وكردفان ودارفور ، بعد أن أجبروا والده الملك فاروق الأول على التنازل عن العرش فى 26 يونيو 1952 ، وبعدها بأقل من عام تقريباً أعلنت الجمهورية فى مصر فى 18 يونيو 1953 ،  ولم يتم خلع أحمد فؤاد الثانى ، كما أنه لم يتنازل عن العرش ، ولذا ما زال بعض المؤرخين فى الشرق والغرب يلقبونه  ( بملك مصر ) .

أحمد فؤاد الثانى ذلك الملك الخجول الأنيق ( 53 عاماً ) يرقد الآن فى مصحة نفسية بسويسرا ، ليعالج من اكتئاب مزمن ، وقد ترهل جسمه وظهرت بوادر الصلع وعلامات الزمن عليه ، بعد رحيل شقيقتيه الأميرة فادية والأميرة فوزية ثم حرمانه من وداع والدته الملكة ناريمان التى رحلت مؤخرا ً، فضلاً عن مأساته العنيفة مع مطلقته فضيلة ، وأخيرا رحيل فريال .

أحمد فؤاد الثانى وريث عرش مصر الذى وقف بجوار بلاده فى حرب أكتوبر 1973 وفى محنة زلزال أكتوبر 1992 ، لا يجد من يسأل عنه سواء من مسئولى الخارجية المصرية أو سفارتنا فى جنيف أو حتى من الذين يعرفون مدى تأثير تجاهل شخصية بحجم أحمد فؤاد على السمعة الوطنية .

التقيته فى القاهرة فى 29 يناير 2005 بمنزل والدته الراحلة الملكة ناريمان صادق فى شارع لطيف منصور بمصر الجديدة ، وذلك بحضور الراحل الكبير د.إبراهيم الدسوقى أباظة الذى كان صديقاً للعائلة المالكة بصفة عامة وصديقاً شخصياً لأحمد فؤاد الثانى ، منذ كان الدسوقى يعمل مستشاراً للعاهل المغربى الراحل الملك الحسن الثانى ، والذى كان يرعى الملك أحمد فؤاد الثانى ويقدم له كافة أشكال الدعم ، حتى أن شقة زواجه - الفاشل- من فضيلة ، والتى تقع فى ( أفونوفوش ) بباريس كانت من إهدائه ، وكان الدسوقى أباظة وابن عمه د / شامل أباظة وزوجته السيدة صفية محمود فهمى النقراشى ابنة النقراشى باشا رئيس الوزراء فى مصر الملكية ، من أصدقاء العائلة المالكة المقربين ، وفى هذا اللقاء التاريخى ، الذى جمعنا بالملك أحمد فؤاد الثانى .

وبرغم الجو الودود الذى خيم على اللقاء ، إلا أننى وبكل شهوة البحث عن الحقيقة واستنفار الأسئلة ، أخذت أسجل تفاصيل ذلك اللقاء فى نقاط حتى لا تخوننى الذاكرة فى أشياء ليست ملكاً لأحمد فؤاد وحده ، بل لذاكرة الأمة وأجيال غيبتها خرافة ما يسمونه بالعهد البائد فى كتب التاريخ المدرسى ، وعدنا أحمد فؤاد ألا يتكلم فى السياسة ونفى تطلعه لأى دور سياسى ، كان حاسماً ، فقد كانت جلسة تاريخية ونظرت فى عينى الملك أحمد فؤاد ، كان الانكسار واضحاً فى عيون آخر ملوك مصر .

سألت أحمد فؤاد الثانى : بصراحة ، هل تفكر فى العودة للعرش مرة أخرى ؟ .

فقال : لا أفكر فى العرش على الإطلاق ، وحكم مصر ليس بالأمر الهين وهى عملية معقدة جداً ، والحاكم فى النهاية إنسان ، الحاكم لا يملك عصا سحرية ، بل يحمل فوق كتفيه أعباء جمة تحتاج إلى جهود ضخمة .

قلت له : هل تعتقد أن الملكية ستعود إلى مصر مرة أخرى ؟ .

فقال : الملكية مرحلة وانتهت ، واليوم تعيش مصر عصر الجمهورية الأمر يتلاءم مع طبيعة العصر ، الملكية أصبحت تاريخ سابق وجدير بالدراسة .

قلت : لكن ماذا تبقى من ذكريات طفولتك الملكية ؟ .

فقال : النظام الملكى فى مصر ظل قائماً بعد حركة الجيش فى 23 يوليو 1952 ، فبعد أن تنازل أبى عن العرش أصبحت أنا الملك لكن بمجلس وصاية برئاسة الأمير محمد عبد المنعم ، ثم المقدم رشاد مهنى حتى غيرت الثورة النظام الملكى إلى النظام الجمهورى ، ثم خرجنا من مصر وعاش أبى فى إيطاليا ، بينما عشت مع أخوتى البنات ( فريال وفوزية وفادية ) فى سويسرا ، حيث كان يرى والدى أنها المكان الوحيد الآمن لحياتنا ودراستنا ، وكنا نراه بين الحين والآخر ، وكانت أمتع الأوقات هى التى كانت تجمعنى بأبى ، حين كان يحدثنى عن مصر وكان مهتماً بحفظ القرآن الكريم ، وكان يقول : ( هذا هو النور الإلهى ، فاستق منه لروحك ) ،  فكان يعلمنى المبادئ الرئيسية للإسلام ، وهو الذى علمنى الصلاة ، وكان كل مساء يسألنى ، إذا كنت قد أديت الصلاة أم لا ؟ ، مما جعلنى أحرص على أدائها فى مواقيتها ، كما تعلمت قراءة القرآن الكريم واللغة العربية التى لم أنسها حتى الآن .

وهنا أثار الدسوقى أباظة قضية احتياطى الذهب ، الذى تركه الملك فاروق واختفى فى عهد عبد الناصر ، ومدى التشويه الذى لحق بالملك فاروق من قبل ثوار يوليو وأبواق الإعلام الناصرى خاصة محمد حسنين هيكل .

فقال أحمد فؤاد : والدى ترك مصر غير مدينة لأحد ، بل كانت دائنة لبريطانيا بـ 400 مليون جنيه ، وأضاف : صحيح أن هناك سلبيات وأخطاء حدثت ، إلا أن مصر كانت دولة برلمانية ملكها هو ملك دستورى ، بمعنى أنه يملك ولا يحكم ، والبرلمان هو الذى يسائل الحكومة ومسئول عن مجيئها ، لقد رحل والدى من الإسكندرية حيث كانت مقره الصيفى ، ولا يحمل معه خزائن ثروته ، وقد توفى ولم يترك لنا سوى علبة سجائره ومسبحته وبعض الذكريات عن تاريخ الأسرة المالكة ، ثم صمت قليلا وقال : وأيضا فريال .

 

 

تاريخ العدد : الثلاثاء : 1/12/2009

 

 

الصفحة السابقة

 

Copyright 2008 © www.faroukmisr.net