محمد
على والاقباط
حينما
نتكلم عن شخصية ومعاملات محمد على
مع المصريين نندهش ونستطيع أن
نستخلص من تاريخه أن شخصيتة كانت
كارزمية طموحة ، ووضع خطة
لأستخلاص مصر لنفسه , ولتنفيذ هذا
المخطط كان عليه تقويتها داخلياً
وخارجياً وجعلها فى مصاف الدول
الكبرى ، فحدد سيطرة الهلوسة
الدينية الإسلامية على الحكم وعلى
مقاليد الحياة فيها والتى ظلت
تعيشها مصر منذ أستعمارها منذ
عمرو بن العاص وحتى عصره إلى أن
عادت هذه الهلوسة مرة أخرى لتضغط
على رقبة مصر فى ظل حكم الجمهورية
الإسلامية , ونحن لا نعرف مدى
العلم والمعرفة التى كانت عنده
ولكنه فيما يعتقد أنه أطلع على
الحضارة الغربية وخاصة الفرنسية
وأستطاع الحصول عليها وتطويعها
لخدمة مصالحة الخاصة وبالتالى
لتقدم مصر .
ويمكن
القول بحذر أن محمد على طبق
العدالة فى الحكم والأحكام وإن
كانت ناقصة بشكل كبير ولكنه
أستطاع أن ينفذ ما هدف إليه
الفرنسيين فى مصر ولم يستطيعوا من
مساواة فى المواطنة وعدالة وحرية ,
وعصره كان متميزاً مفرحاً حتى ولو
كان فيه بعض القصور ووضع مصر على
حافة متقدمة لتواجه القرن العشرين
, ولو كانت عائلته التى حكمت مصر من
بعده سارت على نفس المنوال لكانت
مصر أصبحت شيئاً آخر غير الذى نراه
اليوم .
فى
عصر محمد على باشا تبوأ الأقباط
مراكز عليا (1) لم تحدث فى عصر
الجمهورية الإسلامية التى نعيش
فيها اليوم .
فنجد
ان محمد على أعطى إلى بطرس أغا
أرمانيوس أن يكون مأموراً لمركز
وادى برديس الذى كان يشمل القسم
الشمالى من مديرية قنا والجنوبى
من مديرية جرجا .
-
عيد
فرج أغا ميخائيل حاكماً لمركز
دير نواس .
-
ميخائيل
أغا أغا عبده للفشن ببنى سويف .
-
تكلا
سيداروس لبهجورة .
-
أنطوان
أبو طاقية فى الشرقية .
-
مكرم
أغا حاكماً فى شرق أطفيح وغيرهم
.
ان
محمد علي أول حاكم مسلم
يمنح الأقباط رتبة البكوية
وتعيينهم كحكام أقاليم
( رتبة
المحافظ ورئيس المدينة
حاليا ) , فقام بتعيين كل
من :
-
بطرس
أغا أرمانيوس حاكما علي
برديس .
-
فرج
أغا ميخائيل حاكما علي
دير مواس .
-
ميخائيل
أغا عبده حاكما علي
الفشن .
-
رزق
أغا حاكما علي الشرقية
.
-
باسليوس
ابن المعلم غالي مديرا
لحسابات الحكومة .
-
حنا
المنقبادي سكرتيرا لمديرية
عموم قبلي .
-
والمعلمون
جرجس ويعقوب وبشارة وجرجس
الطويل وأخوه حنا الطويل
ومنقريوس البتانوني وابراهيم
نخلة كتبة في ديوان
محمد على .
(
أمير نصر , المشاركة الوطنية
للأقباط في العصر الحديث
, ص. 21) .
وكان
كبير كتبة ( منصب رئيس
ديوان رئيس الجمهورية حاليا
) محمد علي قبطيا وهوالمعلم
وهبة ابراهيم ومن بعده
المعلم نخلة ( إيريس المصري-
قصة الكنيسة القبطية , الجزء
الرابع , ص. 262 ) .
ومع
نشوء أول مجلس نيابي
في مصر عام 1866 شمل قانون
الترشيح المصريين عموما
بغير تفريق بسبب الدين
في حق الترشيح لعضوية
المجلس , وأخذ في تحديد
المصرية بواقعة الميلاد
وحدها وقد ذكر نوبار
باشا ( عندنا أقباط أيضا
من المنتخبين وقد فتحنا
الأبواب للمسلمين والأقباط
بدون تمييز ) (طارق البشري
- المسلمون والأقباط في
إطار الجماعة الوطنية ,
دار الشرق بالقاهرة 2004 ,
ص.39 ) .
وشعر
محمد على أنه من المستحيل
الإستغناء عن الأقباط نظراً
لأمانتهم وولائهم الشديد ودقة
أعمالهم فتزايد إعتماده عليهم وقد
لمس فيهم ميلهم للهدوء
.
وتميز
عصر محمد على بالاتى :
ألغى
محمد على إجبار الأقباط لأرتداء
أزياء معينه فرضت عليهم بغرض
الإستهزاء بهم فكانوا يلموهم
بإرتداء أزياء زرقاء وسوداء وعدم
لبس العمائم البيضاء .
لم
يرفض محمد على طلباً قدم إليه
لبناء أو إصلاح الكنائس ومما يذكر
أن هناك مخطوطات فى قصر عابدين
تحوى عدداً من الأوامر الخاصة
بالكنائس وقد حررت مقدمتها جميعا
بالصيغة التالية :
أمر
إلى ........... بشأن التصريح لطائفة
الأقباط بتعمير الكنيسة
ومساعدتهم فى ذلك وعدم ممانعتهم .
فى
عام 1814 م حدث تمرد حامية القاهرة
فخاف الأقباط على أرواحهم وأستبد
بهم الرعب فى أحيائهم وأقاموا
المتاريس وأغلقوا الأبواب
وتسلحوا بالبنادق لحماية أنفسهم
من الغوعاء فقام محمد على باشا
وأمد الأقباط بالبارود وألات
الحرب وأمنهم على أرواحهم
ومنازلهم .
نظراً
للنسبة الكبيرة من الأقباط الكتبة
والمتعلمين فقد خصص محمد على
الأقباط واليهود فى المجالس
والأعمال الإدارية والتحريرية
بالإئتمان على خزائن الدواوين
والمصالح والمديريات غير أن
اليهود تركوا وظائفهم لعدم رضائهم
عن الشغل فى يوم السبت أى أن محمد
على باشا لجأ الأقباط الذين حملوا
آماله فى تحديث مصر ونقل إليها
حضارة الغرب فضبط الأقباط
الأيرادات والمصروفات .
وكان
محمد على هو أول حاكم مسلم رفع شأن
الأقباط ومنحهم رتب إجتماعية
عالية فقد وصلوا فى عهده إلى رتبة
البكاوية وأتخذ له مستشارين من
الأقباط .
سار
أبراهيم باشا نجل محمد على باشا
على نفس طريقة ابيه فى معاملته
للأقباط
المعلم
غالى واسرة محمد على :
ومن
أهم الشخصيات القبطية التى أشتهرت
ايام محمد على المعلم غالى أبو
طاقية ، وكان
يعمل المعلم غالى كاتباً لدى محمد
بك الألفى ولكن محمد على أسند إليه
منصب كبير وهو المباشرون ،
والمباشرون هم من يجمعون الضرائب
، الذى كان اليد اليمنى لمحمد على
، وقد وضع المعلم غالى نظام
الضرائب وجبايتها أى أنه كان فى
مرتبة وزير المالية فى ايامنا هذه
، وقام المعلم غالى بتعيين بعض
الأقباط فى الوظائف الصغرى الذى
يشترط فيهم الأمانة الكاملة ، وقد
قام المعلم غالى بتقسيم مصر إلى
مديريات وأقسام والأطيان إلى
احواض وقبائل وهو أساس النظام
المتبع حتى الآن فى مصر .
ولتسهيل
مامورية تحصيل الضرائب للخزانة
قام بأنشاء مصلحة المساحة وأستمر
المعلم غالى فى هذا المنصب مدة
طويلة.
ومن
الشخصيات القبطية التى أعتمد
عليها محمد على ، المعلم باسيليوس
وهو أبن المعلم غالى الذى تولى
التنظيم الأدارى أيام حكم محمد
على .
وفى
مايو 1822 - فى زفتى - طلب أبراهيم
باشا أكبر ابناء محمد على من
المعلم غالى أن يفرض ضرائب على
النخيل ، فطلب منه المعلم غالى
التريث فى الأمر حتى يعرض الأمر
على محمد على باشا أولاً ،
فأجابه ابراهيم باشا بأطلاق
الرصاص عليه فأرداه قتيلاً ، وظلت
جثته ملقاة لمدة يومين لا يجرؤ أحد
القيام بدفنها حتى أستأذن رزق أغا
حاكم الشرقية فى دفنها فأقيمت
الصلاة على المعلم غالى بكنيسة
أبى سيفين فى زفتى ، وأحضر محمد
على باشا باسيليوس نجل المعلم
غالى لترضيته وأسند أليه منصب
رئيس المحاسبة فى الحكومة المصرية
وأنعم عليه برتبة ( بك ) ، وهو أول
قبطى ينعم عليه بهذه الرتبة كنوع
من الترضية لمقتل والدة .
الأقباط
وحروب محمد على :
تلاشت
فى عهده الفروق بين الأقباط
والمسلمين التى سبق ذكرها فى جميع
العصور الأسلامية , وكان هدف محمد
على فى الظاهر الأستيلاء على
أراضى الدولة العثمانية ، لهذا
كان يوجه جميع امكانيات مصر لهذا
الهدف وأتجهت سياسته نحو إستغلال
الخبرات والكفاءات مهما كان دينها
أو ملتها مادام هدفه هو مصر أولاً
، لهذا نرى أنه عين بطرس أغا
مأموراً لمركز برديس وميخائيل أغا
مأمور للفشن بالوجة القبلى وفرج
اغا مأمور لدير مواس وتكلا
سيداروس لبهجورة وأنطوان أبو
طاقية للشرقية .
وبالنسبة
للحملات الحربية التى كان يشنها
محمد على فقد تحمل الأقباط نصيبهم
فى النفقات وأشتركوا فيها كجنود
وقواد وأختلطت دماؤهم مع أخوتهم
المسلمين فى غزوات الشام وجبال
المروة وسهول آسيا الصغرى ، وقد
دفع الأقباط الأرثوذكس مائتى ريال
مساهمة فى دفع مرتبات الجنود ودفع
الكاثوليك ثمانية آلاف ريال وقد
دفع المبلغ عن الأقباط الكاثوليك
المعلم غالى وورثته وفيكتور وكيل
دائرة عثمان بك البرديس ، وهذه
المبالغ ضئيله ولكننا نتعجب عند
معرفتنا أن المسيحيين فى ذلك
الوقت كان عددهم يزيد عن الربع
مليون نسمة بقليل .
اهم
القرارات التى اصدرها محمد على
باشا بحقوق مواطنة متساوية مع
المسلمين :
-
الغى
محمد على إجبار الأقباط على
إرتداء أزياء معينة التى كانت
مفروضة على الأقباط من قبل
السلطنة العثمانية التى كانت
ملتزمة بالشريعة الإسلامية
والوثيقة العمرية ، وخلع ألقباط
الزى الزرق والأسود الذى كان
مفروضاً عليهم بعد ان كانوا
ممنوعين من ذلك وأصبحوا يلبسوا
الكشمير الملون , وخلعوا
الجلاجل الحديدية التى تسببت فى
إزرقاق عظام الترقوة وأصبح
العضمة الزرقاء لقباً كناية عن
الإضطهادات الإسلامية لهم .
-
سمح
محمد على للأقباط بركوب البغال
والخيول , ولا شك ان هذا كان
ممتعاً لهم ان يتمتعوا بالحرية
وأن يركبوا ما شاؤوا من البغال .
-
السماح
للأقباط بحمل السلاح وذلك لأول
مرة فى تاريخ الإحتلال الأسلامى
العربى لمصر أى منذ 1400 سنة .
-
سمح
محمد على للأقباط بحرية بناء
الكنائس وممارسة الطقوس
الدينية ولم يرفض اى طلب تقدم
الأقباط به لبناء أو إصلاح أى
كنيسة .
-
كان
محمد على أول حاكم مسلم يمنح
موظفي الدولة من الأقباط رتبة
الباكوية عرفانا بخدماتهم لمصر
كما أتخذ له مستشارين من
الأقباط .
كثيرا
ما عاني الأقباط في عهد المماليك
من صعوبات عديدة للحصول علي إذن
بزيارة الأراضي المقدسة ، لكن
برعاية وتسهيلات محمد علي باشا
اصبح الأمر ميسرا وممهدا ، وقد عثر
علي أول وثيقة تعود إلي عام 1241
هجرية 1825 م يوصي فيها محمد علي
متسلم غزة بالقبط الذين يرغبون في
الحج إلي القدس ، وألا يدع لاحد
مجالا للتدخل في شئونهم .
وعثر
علي وثائق أخري بهذا المعني بين
عامي 1827 و1828م ، موجهة لمتسلمي غزة
والقدس ، كان الباشا يوصيهم فيها
بحماية الرهبان الأقباط والزوار
الوافدين إلي القدس كعادتهم كل
عام ، حاملين قفص الشموع إلي
كنيستهم بالقدس وبحمايتهم
وإكرامهم عند وصولهم إلي غزة
والقدس .
محمد
على صنع شهرة القطن المصرى :
في
عام 1837 صار كبار الموظفين في عهد
محمد علي من كبار ملاك الأراضي
الزراعية ، أما صغار الموظفين
فامتلك كل منهم 50 فدانا ، وبالطبع
لم يفرق محمد علي باشا بين مسلم
ومسيحي في تملك الأراضي وزراعتها .
ومع
التوسع في قاعدة امتلاك الأراضي ،
وجه محمد علي إلي التوسع في زراعة
القطن ، حيث برع المصريون في
زراعته ورووه بعرقهم ، فأعطاهم
محصولا مباركا ، وصنعوا منه
الشهرة العالمية للقطن طويل
التيلة .
أيضا
استعان محمد علي بالحرفيين
والصناع القبط في المصانع التي
أنشأها ، اعتمادا علي المهارة
والكفاءة دون تحيز أو اضطهاد .
ساند
محمد علي النشاط الزراعي ببنية
أساسية صنعتها أياد خبيرة ، فشق
الجسور والترع وأقام القناطر
وأشهرها الخيرية كما أقام مصانع
الغزل والنسيج في معظم الأقاليم ،
وسبك الحديد وألواح النحاس ومعامل
تكرير السكر .
ظل
الأقباط يدفعون الجزية للحكام
المسلمين منذ عام 641م ، ولكن محمد
علي أعفي بعض الأقباط من دفع
الجزية بحكم عملهم ، مثل الذين
يعملون في ترسانة الإسكندرية ،
وجاء في مرسوم أصدره سنة 1831 ما يلي
:
(
يقتضي اتباع الأصول المدونة وربط
ماهية ومرتب الصنف الذي يستحقه
الأقباط الذين يؤخذون للجهادية
لكونهم يؤدون مصالح الميري ومن
اللزوم رعايتهم ورفاهيتهم ) ، وفي
عام 1839 صدر مرسوم بإعفاء الأقباط
من دفع الجزية ، ولكنه تعطل لسنوات
طويلة بسبب الاحتياج إلي أموال
كثيرة .
الكنيسة
الوطنية .. المعلم منصور وتسعير
المنسوجات :
الجمهورية
7/11/2010 اجراس الاحد – شريف نبيه :
يذكر
التاريخ ان عهد محمد علي باشا كان
عصرا ثريا بالأحداث في سجل ( أخبار
أيام ) الأقباط .
تقول
سطوره بقلم الجبرتي : ان محمد علي
باشا كان قد قبض علي كبار
المباشرين القبط ذات مرة وتم
تقليد المباشرة إلي المعلم منصور
صرابامون معلم ديوان الجمرك
ببولاق .
ومن
ابداعات المعلم منصور انه عين
اشخاصا مباشرين للاشراف علي
النسيج ، هؤلاء المباشرون كانوا
يجوبون النواحي والبلدان والقري
ويتقاضون ما يلزم لهم من المصاريف
والمعاليم والمشاهرات ، فيمضون
ويحصون كل ما هو موجود علي الأنوال
من القماش والبز والأكسية الصوف (
الزعابيط ) ، ويكتبون عدده علي ذمة
الصانع حتي إذا ما تم نسجه دفعوا
لصاحبه ثمنه طبقا لما قاموا
بتسعيره وإذا أراد صاحبها
الاحتفاظ بها من الموكلين
فيشتريها بالثمن الذي يقدرونه بعد
الختم علي النسيج من طرفيه بعلامة
( الميري ) ، وإذا ظهر هذا النسيج
عند شخص آخر غير صانعه بغير علامة
الميري تتم مصادرة هذا النسيج
ومعاقبة المشتري ، الذي لم يحرص
علي احترام النظام بشراء نسيج غير
مختوم وهذا يبرز مدي سيطرة وهيمنة
الحكومة آنذاك علي التجارة واحكام
قبضتها علي عجلة الإنتاج .
المراجع
:
القديس
البابا بطرس السابع الجاولى
البطريرك 109 - تقديم ومراجعة نيافة
الحبر الجليل الأنبا رافائيل -
الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة
سنة 2002 م ص 32 - 33
|