موت
غامض وجثمان مفقود ومقبرة مجهولة
توفى
إسماعيل صديق ١٨٧٦ بعد
وصوله إلى دنقلة بثلاثة أيام ، حسب
ما أكدته المصادر الرسمية للحكومة
وكان عمره ٤٦ عاما ، وتعددت
الروايات حول سيناريو مقتله ،
ومنها ما ورد لدى بعض المؤرخين مثل
على مبارك والرافعى وأحمد حسين
والذين ذكروا أن الخديو انزعج من
مطالبة الدائنين بمحاكمة المفتش
وأدرك من حديثه مع وزيره أنه لن
يبق على ولائه ، فى سبيل الدفاع عن
نفسه ، وأنه إذا قدم إلى المحاكمة
، فإنه سيشرك الخديو معه فى
المسؤولية وربما ألقى بها كاملة
على عاتقه .
فدبر
الخديو مشروعاً لمحاكمة المفتش
بتهمة التآمر عليه وإثارة الخواطر
الدينية ضد مشروع « جوشن جوبير »
وقبل أن تبدأ المحاكمة قرر التخلص
منه بلا جلبة ، فاستدعاه إلى قصر
عابدين كعلامة على الثقة وهدأ من
روعه ، مظهراً له الرضى وتلطف فى
محادثته ، ثم اصطحبه إلى سراى
الجزيرة ( فندق ماريوت حاليا ً) ولم
تكد العربة التى تقلهما تجتاز باب
القصر حتى نزل الخديو وبادر إلى
إصدار أمره للحرس باعتقال المفتش
، واختفى نبأ المفتش من حينها ،
إلى أن أمر الخديو رجاله فقتلوه ،
وألقوه فى النيل بعدما ربطوا
أثقالاً فى جسده لكى لا يطفو ،
فيما استمرت إجراءات المحاكمة
الصورية .
وكانت
المصادر الحكومية قالت إنه توفى
إثر مرض أصابه أثناء سفره ، نتيجة
إفراطه فى الشراب ، مما أدى إلى
ضعف فى حركات الأطراف السفلى ،
فصار يهذى فى كلامه ، وأصيب
بالسكتة المخية ، وبكشف الأطباء
عليه أفادوا بخطورة حالته وعدم
جدوى العلاج له ، وتوفى بعد ثلاثة
أيام .
وذكر البعض : أن المفتش توفى فى
دنقلة متأثراً بانفجار فى الزائدة
الدودية ، وأنه سمح بدفنه بعد
توقيع الكشف الطبى عليه ، ولذا لم
تنقل الجثة إلى مصر ، وأجمعت
الآراء غير الحكومية على أن صديق
باشا مات مسموماً مخنوقاً غريقاً
فى النيل ، كما انقسمت الآراء حول
منفذ الجريمة ، فالبعض ذكر أن
المنفذ هو مصطفى بك فهمى شريك أحمد
عرابى فى ثورته فيما بعد ، وآخرون
قالوا إن و« لسن » الفاعل ، إذ
اعترف بجريمته فى هذيانه ، عقب
إصابته بالحمى وأجمعت الآراء
جميعاً أن منفذ الجريمة هو مقدم
العسكر ، « اسحق بك » ، وهو أعرابى
كان يعمل فى خدمة الأمير حسن ناظر
الحربية ، وتحوم الشكوك حول رواية
إسحاق بك ، وذلك لأنها لم ترد على
الألسن ، بعد نفى الخديو وابنه
الأمير حسن ، ومن المحتمل أن إسحاق
بك كان يأمل من وراء هذه القصة فى
الحصول على مكافأة ، وربما حصل
عليها بالفعل ، وتعددت الروايات
حول مدفنه وأين ذهبت الجثة .
قال
البعض : إنها دفنت فى دنقلة ،
والبعض روى أنه ألقى فى النهر فى
جوال مع حديد قديم ، فيما ذهب
آخرون إلى أنه دفن فى مصر القديمة .
وأظهر
أهالى القطر المصرى دهشتهم من
مقالة نشرتها جريدة «moniteur
egyptien» ، قالت : إن
صديق باشا كان يتآمر ضد الخديو ،
وأنه حكم عليه بالسجن فى دنقلة ،
وانزعجت الأمة المصرية من مقتله
ورفضت موت المفتش ، ونشر نبأ وفاته
، إلا أن الشعب المصرى لم يصدق أن
المفتش مات ، وتحول إسماعيل
المفتش فى نظر الشعب المصرى إلى
أسطورة ، فهو رمز المقاومة
الوطنية ضد التدخل الأجنبى ،
والطبقات التركية الحاكمة .
وليس
أدل على مكانة المفتش وحب الناس
وولائهم له ، مما رواه إسماعيل
صدقى فى مذكرات والتى قال فيها : «
ولدت فى ١٥ يونيو
١٨٧٥ ، وكان إسماعيل
صديق باشا فى أوج مجده وسلطانه ،
فسمانى والدى باسمه ، كما هو عادة
الناس حين يسمون أبناءهم بأسماء
العظماء والوزراء المشهورين ، وهو
اسم يجمع بين الخديو وناظره ، وبعد
أن وقعت الواقعة وذهب صديق باشا
ولم يعرف إلى أين ذهب ، فخشى والدى
أن يكون فى اسمى ما يشعر بولائه
للوزير المنكوب ، فأسرع بتحويره
من إسماعيل صديق إلى إسماعيل صدقى
، وكان طبيعياً بعد موت المفتش أن
يرقص طرباً أنصار مشروع « جزشن
وجوبير » بعد أن زالت العقبة
الكؤود ـ صديق باشا ـ من الطريق .
تاريخ
العدد : الاثنين 2/1/2010
|