اسماعيل
باشا المفتش ... شقيق
الخديوى المتهم بتبديد
اموال القطر المصرى
ماهر
حسن
فى
سنة ١٨٦٨ عين
إسماعيل باشا صديق وزيراً
للمالية ، بدأ المفتش
حياته موظفا صغيراً فى
الدائرة السنية وسرعان ما
حصل على عطف الخديو
باعتباره أخاه فى الرضاعة
فما زال يرقيه حتى نال
رتبة الباشوية ثم عينه
مفتشا عاما لأقاليم القطر
المصرى فلقب بالمفتش ،
واعتبر المؤرخون توليه
وزارة المالية تدشينا
لعهد النكبات المالية فى
مصر فكان يزين لإسماعيل
باشا أساليب الحصول على
الأموال ، ولم يلبث أن
أصبح الرجل الثانى فى
الدولة بعد الخديو .
ولكن
سياسة إسماعيل للاقتراض
كانت قد بدأت وتأصلت قبل
مجىء المفتش ، فمن الحق أن
يقال إنه كان أداة فى يد
الخديو وقد حاكى المفتش
مولاه فى البذخ والإسراف
وبناء القصور وامتلاك
الجوارى والحظايا .
ومن
مظاهر البذخ والإسراف
التى تميز بها عصر الخديو
إسماعيل ما أنفقه فى
الإعداد لحفل افتتاح قناة
السويس فى ١٧ نوفمبر
١٨69 والذى أقام بهذه
المناسبة حفلا عالميا
ارتج له العالم فى حينه
ودعا اليه ملوك أوروبا
وأمراءها فلبى دعوته
إمبراطور النمسا ،
وأوجينى إمبراطورة فرنسا
وولى عهد بروسيا وعشرات من
أمراء أوروبا وكبرائها ،
وراح ينفق على هذه الحفلات
بسعة وتبذير وفى ابريل من
عام ١٨٧٦ وصلت
الضائقة المالية إلى
نتيجتها المحتومة وهو عدم
قدرة الحكومة على دفع
القروض فأصدر الخديو
مرسوما فى ١٦ أبريل
بتأجيل دفع السندات
والأقساط المستحقة على
الحكومة لمدة ثلاثة شهور ،
فسرى الذعر والسخط ، فأسرع
الخديو بتهدئه الدائنين
بأن أصدر فى شهر مايو
قرارا بإنشاء صندوق الدين
، ولخص مهمته فى تسليم
المبالغ المخصصة لتسديد
الديون مباشرة من المصالح
المحلية وهكذا تألفت ثانى
هيئة دولية بعد المحاكم
المختلطة للتدخل فى أخص
شؤون مصر الداخلية ، كما
أصدر مرسوما بتوحيد
الديون المصرية المختلفة
إلى دين واحد أطلق عليه
اسم الدين الموحد وقدره
٩١ مليون جنيه
إنجليزى ولكى الخديو
ليزيد طمأنة الدائنين
أصدر فى ١١ مايو
مرسوما ثالثا بإنشاء مجلس
أعلى للمالية مؤلفاً من
عشرة أعضاء خمسة منهم
أجانب ، وخمسة وطنيون ولم
تقنع انجلترا بكل هذه
الإجراءات التى تمت
بالاتفاق مع فرنسا ورفضت
أن تعين مندوبا عنها فى
صندوق الدين لتعطيل تنفيذ
المشروع ، ودخلت فى
مفاوضات مع فرنسا للتوصل
إلى اتفاق ترضى عنه
الدولتان ويفرضانه على
إسماعيل باشا ، واتفقت
الدولتان على إرسال بعثة
إنجليزية فرنسية تمثل
الدائنين وهى ما اشتهرت
باسم «جوشن وجوبير»
والأول إنجليزى والثانى
فرنسى وفرضت الرقابة
الأوروبية على المالية
المصرية واستجاب الخديو
لطلب إبعاد وزير المالية «
المفتش » ، ومحاكمته بدعوى
أنه تسبب فى إحداث عجز
بالميزانية إضرارا
بالدائنين ، وقال الرافعى
، إن القروض جميعها (
كمالية ) وكانت البلاد فى
غنى عنها لكن الحالة
المالية ازدادت انحدارا
ومضت بالبلاد فى اتجاه
الهاوية بعد إسناد وزارة
المالية إلى المفتش ، جرّت
الخراب المالى على البلاد
وبقى المفتش متقلدا وزارة
المالية طول هذه المدة
اللهم إلا فترة وجيزة
تولاها عمر باشا لطفى
١٨٧٣ ثم عادت
إلى المفتش ثانية وكان
لنيله رضا الخديو حائزاً
سلطة واسعة المدى فى إدارة
شؤون الحكومة وصاحب الأمر
والنهى بين الموظفين
وغيرهم فكان أقوى رجال
الدولة نفوذا فى مصر بعد
الخديو ، فأسهم فى تضخم
الديون وتبديد الملايين
من الجنيهات حتى وصلت
البلاد إلى حالة الإفلاس ،
وفى نوفمبر
١٨٧٦ ، خلال
المفاوضات بصدد الرقابة
الثنائية وقع حادث رهيب ذو
اتصال وثيق بارتباك مصر
المالى ، وهو مقتل إسماعيل
صديق باشا وكان من مطالبات
لجنة الرقابة الثنائية
إقصاء المفتش عن المالية
كشرط جوهرى لإصلاحها فقبل
الخديو مضطرا التضحية
بوزيره الذى كان موضع ثقته
سنوات عديدة واستقال
المفتش من منصبه أو أقيل
ولم تكتف اللجنة الثنائية
( جوشن – جوبير ) بذلك
فقررت مقاضاة المفتش أمام
المحاكم المختلطة فاضطرب
الخديو من هذا التهديد
وأدرك أنه اذا قدم
للمحاكمة فإنه سيشرك
الخديو معه فى مسؤولية
تبديد أموال الدولة وربما
ألقى عبء المسؤولية على
عاتقه ففكر إسماعيل فى
التخلص منه ودبر مشروعا
لمحاكمته بتهمة التآمر
على الخديو وإثارة
الخواطر الدينية ضد مشروع
جوشن وجوبير ، وقبل أن
تبدأ المحاكمة اعتزم أن
يتخلص منه تماما بلا جلبة
ولا محاكمة وتنفيذاً لهذا
الغرض استدعاه إلى سراى
عابدين كعلامة على الثقة
به وهدأ روعه وتلطف فى
محادثته ثم اصطحبه إلى
سراى الجزيرة ، مظهرا أنه
رضى عنه ولكن لم تكد
العربة التى أقلتهما
تجتاز حدائق السراى وتقف
أمام باب القصر حتى نزل
الخديو وبادر إلى إصدار
أمره بالقبض عليه
واعتقاله .
ومنذ
تلك اللحظة اختفت أخباره
عن الجمهور إذ عهد الخديو
إلى إتباعه بقتله فقتلوه
وألقوه جثة فى النيل ، ولم
يعلم الناس بادئ الأمر بما
حل بالمفتش واستمرت
المحاكمة الصورية ماضية
فى سبيلها وحكم المجلس
الخصوصى بنفيه إلى دنقلة
وسجنه بها ، فى حين أنه لقى
حتفه قبل أن تتم المحاكمة .
تاريخ
العدد : الاثنين 2/1/2010
|